أتدري أن أكبر كارثة يمكن أن يبتلي بها المرء في حياته هي الموت .. أتدري أن الانسان مهما بلغ تبرمه بالحياة وكرهه لها تجده يتعلق بأهدابها ويخشي الموت رغما عن تأكده أنه سيضع حدا لضيقه وبؤسه لا لشيء الا لفرط ما يتخيله في الموت من بشاعة
أن الانسان يستطيع أن يعتاد كل مكروه في حياته إلا الموت فهو لا يعترف بأن الموت حق وهو لا يوطن نفسه عليه ولا ينتظره كحادث لابد من حدوثه .. بل هو يعمل لدنياه كـأنه يعيش أبدا.. ولا يكاد يسمع أن فلانا قد مات حتى يضرب صدره بيده "يا ساتر يا رب.. لقد قابلني بالأمس وكان صحيحا سليما" كأنه علي يقين أن الموت لا يقرب الأصحاء أو رجل له أولاد صغار"
البعض يمرون من خلالنا بأرواحهم فيرتكون أثرا جميلا، وبصمة خفية، شفرات لا تفك ألغازها، وتظل أبواب أرواحنا مفتوحة لهم، يتسللون الى صدورنا في أي وقت يحلو لهم، فجأة دون تنبيه، وخفية بلا استئذان، حضورهم أثري، وكأن صدورنا غدت بيوًتا لهم! وإن غابوا ستظل أطيافهم تجول في الحنايا وبين الضلوع، نستأنس بها، ونستعذب الذكريات، حتى نلقاهم مرة أخرى