تحميل كتاب كمال الشريعة وشمولها لكل ما يحتاجه البشر pdf 2012م - 1443هـ هذه كلمة تبين كمال الشريعة وشمولها لكل ما يحتاج إليه البشر. لا يخفى أن الله بعث نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى البشر؛ رحمةً منه وإحسانًا، ليخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم. وكانت العرب قبل بعثته صلى الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء وشقاءٍ لا بعده شقاء، يعبدون الأصنام، ويئدون البنات، ويسفكون الدماء بأدنى سبب وبلا سبب، في ضيق من العيش وفي نكد وجهد من الحياة، يعيشون عيشة الوحوش مع الوحوش، يتحاكمون إلى الكهان والطواغيت، فلما جاء الله بهذا النبي الكريم أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، أخرجهم من ظلمة الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد، ومن ظلمة الجهل والطيش إلى نور العلم والحلم، ومن ظلمة الجور والبغي إلى نور العدل والإحسان، ومن ظلمة التفرق والاختلاف إلى نور الاتفاق والوئام، ومن ظلمة الأنانية والاستبداد إلى نور التواضع والتشاور، ومن ظلمة الفقر والجهد إلى نور الغنى والرخاء، بل أخرجهم من ظلمة الموت إلى نور الحياة السعيدة ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]. أكمل الله به الدين وتمم به مكارم الأخلاق، أمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وأمر ببر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الفقراء والمعوزين، حتى قال - صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللهَ كتَبَ الإحسانَ علَى كلِّ شيءٍ». وأمر بالتحاكم فيما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله. لا خير إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، أخبر بما كان وما يكون إلى يوم القيامة، كما قال حذيفة - رضي الله عنه - قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا ما ترك شيئًا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدَّث به، حفِظَه مَنْ حفِظَه ونسِيه مَنْ نسِيه. وقال أبو ذر - رضي الله عنه -: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو قال: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وما طائرٌ يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه عِلْمًا. رسم لأمته طريق السعادة في الدنيا والآخرة في سياسته الشرعية التي يعجز كلُّ أحد أن يأتي بناحية من نواحيه. فرسم لهم طريق السياسة مع الأعداء وبيَّن لهم ما تُعامل به الأمم الأجنبية من الحرب ووجوبه، والسلم ووجوبه، والمعاهدات وحفظ العهود، وأوجب عليها الاستعداد بكل قوَّةٍ يستطيعونها، قال تعالى: ﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ * وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنفال: 57 - 61]. ففي هذه الآيات دلالة واضحة على مقتضيات الحرب والاستعداد لذلك وتأهب المسلمين بالقوة لعدوهم بما يرهبهم وبيان الصلح والسلم إلى غير ذلك مما دلت عليه هذه الآيات من آي القرآن. كما قسمت الشريعة أيضًا السياسة إلى ثلاثة أقسام: • سياسة شرعية دينية. • سياسة جائزة مباحة. • سياسة شيطانية فرعونية إبليسية. فالسياسة الشرعية الدينية: هي ما دلّ عليه الكتاب والسّـنّة من قتل القاتل، وقطع يد السارق، وإقامة الحدود كحد الزنا والقذف وحد السكر ودية منافع الأعضاء، وغير ذلك مما لا يدخل تحت حصر. والسياسة الجائزة المباحة: وهي ما يسوس بها ولاة الأمور رعاياهم مما لم تخالف كتابًا ولا سُـنّة. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا همَّ بغزوةٍ ورَّى بغيرها، وقال: «الحرْبُ خَدْعَةٌ». إلى غير ذلك. والسياسة الشيطانية الفرعونية الإبليسية: هي كل ما خالف كتاب الله وصحيح سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن زعم أهلها أنهم مصلحون فهم حقًّا مفسدون، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12]. فالعبرة بالحقائق لا بالمسميات. وكما قال فرعون: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29]. وأيُّ رشدٍ عند فرعون القائل: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]. بل ردّ عليه القرآن في موضع آخر، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾ [هود: 97]. وبيّنتْ الشريعة الإسلامية السياسة الخارجية كما قدَّمنا في الآيات بشأن السلم والحرب، والصلح والمعاهدة إلى غير ذلك، فمن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ [النساء: 71] الآية. فالآية تدل على أن المسلمين مأمورون بالحذر، وبالتأهب والاستعداد لعدوهم بالآلات الحربية كالطائرات والدبابات والصواريخ وغيرها، مما يجِدُّ ويحدث مما يزيد المسلمين قوَّة وبذلك يأخذون حذرهم، وفي قوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60] ما يبين ذلك. .
عرض المزيد