تحميل رواية إسود وردي pdf كتب مصطفى ذكري (إسود وردي) في البداية كسيناريو سينمائي، لكنه لم يغير حرفاً فيه عندما نُشر كرواية، وكل ما فعله أنه قام بحذف الترويسة في أعلى كل مشهد (ليل/نهار - عنوان الديكور)، مستبدلاً إياه برقم للمشاهد/الفقرات. وللقارئ أن يعجب من المستوى الأدبي الرفيع االذي كُتب به السيناريو، وهو ليس استثناءً في (إسود وردي)، فذكري سبق له كتابة "السيناريو الأدبي" في فيلميه السابقين (عفاريت الأسفلت)، و(جنة الشياطين)، فضلاً عن العمل الذي لم ير النور كفيلم سينمائي: (ما يعرفه أمين). تَعد (إسود وردي) القارئ في مستهلها برحلة بوليسية، لكنه في الحقيقة وعد كاذب، فالحبكة البوليسية لا تهم ذكري، ولا هو يسعى وراء خيوطها، بل يستخدم الأجواء البوليسية بنفس استخدام هيتشكوك لما كان يُطلق عليه “الماكجوفين”: أي كطعم لاصطياد القارئ؛ وإدخاله مملكته الإسلوبية الخاصة، وبدخول القارئ تلك المملكة، يسقط في سلسلة من الاستدراجات التي لا فكاك منها، في نفس الوقت الذي لا يُجدي نفعاً المنطق العادي؛ فذكري يستبدله بمنطق آخر حاكم للرواية: منطق الأحلام والكوابيس، وذلك لا يعني أن الشخوص تعيش داخل كابوس ستفيق منه عاجلاً أو آجلاً؛ فالحقيقة أنها لن تفيق أبداً، والقارئ الذي يتورط في دخول مملكة ذكري، يكون منذ البداية قد وافق على أن يحكم العالم منطق الكوابيس.
يبدو منطق الحلم الكابوسي في (إسود وردي) مُجسداً في قول خالد:
– “ما فيش كومة قش من غير إبرة.. وإللي ها يجي بعد كدة كله واضح.. والواضح دايماً يتفهم من غير تفسير.. إزاي.. أقول لك.. في ناس.. زي العبد لله.. بيدوَّر على الإبرة دايماً في إللي بيلاقيه قدَّامه.. وبالصدفة.. وإللي بلاقيه قدَّامي مش دايماً بالضرورة كومة قش.. بس من ناحية تانية المبدأ على رقبتي زي السيف.. ما فيش كومة قش من غير إبرة.. طيب نفرض إني ضيَّعتْ المحفظة بتاعتي في حتة ضلمة.. وقعدتْ أدوَّر عليها ساعات طويلة.. لغاية ما شافني واحد عاقل وقال لي يا ابني إنتَ بتدوَّر ليه في حتة ضلمة تعالى ندوَّر على إللي وقع منَّك في حتة نور.. قمت قايل له.. ما فيش كومة قش من غير إبرة.. وما فيش إبرة من غير كومة قش.”معمار (إسود وردي) مُؤسس على منطق الحلم، ويستخدم ذكري الألعاب السريالية لتحقيق ذلك: تشويه المنظور الدرامي والبصري، لعبة المرايا المتقابلة التي تعكس الصورة إلى ما لا نهاية، لعبة العروسة الروسية التي تحوي عروسة أصغر منها (حكايات تتوالد من حكايات)، الغرائبية التي هي أكبر من مجرد شذوذ في شكل وسلوك الشخصيات، فهي منطق كامل وصلد، يستطيع الصمود والدفاع عن نفسه في وجه المنطق المألوف، وهو ما يستدعي إلى الذهن عوالم كافكا، خصوصاً في روايتي “القصر”، و”المحاكمة”، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن ذكري يقدم عدة تحيات لكافكا؛ من أهمها مشهد قطة العدوي وخاله في بيت الأستاذ زاهر المحامي.. محمد الفقي