تحميل كتاب أقصى ما يمكن pdf فلا تبتعد صورة مصطفى ذكرى فى الكتاب كثيرًا عن صورته فى الكتابين السابقين، بنفس انفلاته من القواعد الجامدة للنوع الأدبى، والإخلاص الصارم للذائقة الشخصية، وإعادة تدوير الكتابة لاكتشاف احتمالاتها المختلفة فى سياقات جديدة، ثم خوض الحروب ذاتها مع الكلمة والجملة والفقرة، مرة تلو المرة، بالدأب ذاته، فى محاولته لاصطياد الأفكار والمعانى بأنشوطة الكلمات.
هنا يبدو مصطفى ذكرى مستريحًا تمامًا داخل صيغة اليوميات، بأقصى تحريف ممكن لمعناها. يوميات حذفت تواريخها وأماكنها، ليقطر فيها كل ما تعجز عن استيعابه الأشكال التقليدية للأدب. صيغة منفتحة تسمح لعناصر متنافرة بطبيعتها بالتجاور داخلها. وعبر الشذرة، وقد صارت الوسيط الأثير عند مصطفى ذكرى، يقفز مباشرة إلى قلب معان وأخيلة لطالما راودها فى أدبه، ليصل بفقرته الأدبية الهجينة إلى حافتها، حافة الفكرة وحافة الأسلوب. هذا التحريف، من ضمن فوائده العديدة، أنه يتيح لمصطفى ذكرى أن يمزج، داخل النص الواحد، بين التأملات الأدبية بطابعها الفلسفى والسِيَرى، وبين الآراء الفنية، وقطع الهجاء السياسى، العنصر الدخيل الأحدث على كتابة ذكرى، دون تعارض يُذكر. وتحت ماكينة الأسلوب، يقوم مصطفى ذكرى بصهر كل شىء تقريبًا: الأدب والسينما والسياسة والنقد، وحتى صورة الذات، فى سبيكة فريدة، تحمل ختمًا لا تخطئه العين. الكاتب والسيناريست محمد الفقى، قال عن ذكرى إنه "أسطى، صاحب حرفة يدوية، هوايته تحويل الحديد الخردة إلى روائع من الحديد المشغول". أما الروائى إبراهيم فرغلى، قال: "على مستوى البناء فمن الجلى أن مصطفى ذكرى يستبدل الأسلوب بفكرة البناء نفسه، مقدمًا نماذج لتأمل وحدات البناء: الكلمة والحرف، ولوج معمل الكتابة، وإجراء اختبارات على تفاعلات الحروف والكلمات والجمل اللغوية، وإقصاء كل ما هو صاخب دراميًا، والحفر بأدوات المعمل فى المناطق الضعيفة جدًا التى تبدأ مباشرة بعد ذروات الدراما والانفعال. وليذهب المبنى إلى الجحيم. خيانة متعمدة للبناء، الذى أظنه غاية الكتابة ومنتهاها". مصطفى ذكرى، كاتب وسيناريست مصرى، تخرج فى المعهد العالى للسينما شعبة سيناريو عام 1992. راوح فى مشواره الإبداعى بين الأدب وكتابة السيناريو، فى رصيده فيلمان و9 كتب تنوعت بين القصة والرواية القصيرة. من أعماله: "تدريبات على الجملة الاعتراضية" قصص 1995، "عفاريت الأسفلت" سيناريو 1995، "هراء متاهة قوطية" و"ما يعرفه أمين" روايتان 1997، "الخوف يأكل الروح" رواية 1998، "جنة الشياطين" سيناريو 1999، "لمسة من عالم غريب" رواية 2000، "مرآة 202" رواية 2003، "الرسائل" رواية 2006، و"إسود وردى" رواية 2014. ويعد "أقصى ما يمكن" هو كتاب اليوميات الثالث الذى يصدره بعد كتابيه: "على أطراف الأصابع" 2009، و"حطب معدة رأسى" 2012.