تحميل رواية التاريخ السري لأمير موساشي pdf مرت تجربة الروائي الياباني جونيتشيرو تانيزاكي الأدبية بمراحل ثلاث. فقد بدأ الكاتب الياباني الكبير إبداعه متأثراً بكتّاب الغرب الذين قرأ لهم وبصفة خاصة وايلد، وبو، وبودليد، وفي هذه المرحلة شغله ذلك الارتباط القائم والغريب بين نزعة التحلل والانحدار وبين الجنس وتجسد هذه البداية قصة قصيرة محددة هي "الضحية"، التي ترجمت إلى العربية مراراً تحت عنوان "الوشم" ونشرها عام 1909. وفي كتابه الذي يركز فيه على تزاوج الشهوة والقتل بعنوان "قضية الربيع" 1914 يستمر هذا الاتجاه، جنباً إلى جنب مع الاهتمام بالموضوعات التاريخية.
لكن التحول التدريجي من المناداة بالتغريب على إطلاقه إلى ضرورة التحديث وبعث الروح اليابانية العريقة يشرع وئيداً في ترك بصمته في المرحلة الثانية لتطور عالم نانيزاكي الروائي، ويبدو هذا في رواية "عشق الأبله"، التي ترجمت إلى اللغات الأوروبية تحت اسم البطلة "ناوومي" 1924-1925، وتلك رواية يبدو فيها واضحاً تبني أسلوب الكاتب الإنكليزى سومرست موم في روايته الضافية "عبودية إنسانية" وإعادة صياغتها في إطار ياباني، وهذه تكشف تقلقل إيمان تانيزاكي بالتغريب المطلق، بل لعلها تحذير من خطورة هذا المنهاج لمن يتبنونه على إطلاقه.
وشأن كل كتاب اليابان جميعاً فإن عنصر السيرة الذاتية يترك بصمته على عمل تانيزاكي. وابتداءً من الثلاثينات والأربعينات يلج تانيزاكي مرحلته الثالثة والأخيرة باعتباره كاتباً من أبرز كتاب اليابان، وإلى هذه المرحلة ينتمي العملان اللذان يضمهما هذا الكتاب وهما: "التاريخ السري لأمير موساشي" و"المرنطة". وقد كان هذان العملان من الأعمال الأثيرة لدى تانيزاكي والمحببة إلى نفسه. سيلاحظ القارئ وعلى الفور أن العمل الأول كتب بالإحالة إلى الأسلوب التوثيقي، إذ يتناهى لنا عبر مخطوطات قديمة تفضي أسرارها، وهو أسلوب يبدو أثيراً اليوم لدى الكتاب العرب. أما العمل الثاني فقد يخاطب من يتحمسون لأسلوب القصة، المقال، ومن تداعب خيالهم منجزات الواقعية السحرية، وقد يهمهم أن يروا عملاً وصل إلى هذا الحد من الإبداع، قبل أن يجد هذا الاصطلاح من يتصدى لصياغته. يوضح هذان العملان الحدود القصوى لبراعة تانيزاكي، وتعدو جوانب إبداعه، غير انهما يشتركان مع أعماله الروائية كافة في الخصائص الرئيسية، التي تميز فنه الروائي "السعي وراء المرأة المثالية" وإدراك أنه كما عبر ووردذورث: "الطفل هو أبو الرجل" وأسلوب بليغ متميز بالقرار، وفي المقام الأول الاستمتاع على الطراز القديم بالقصة الجدية، التي تروى على نحو رائع.
هذا وأن أسلوب السرد في كل من "المرنطة" و"التاريخ السري موساشي" استلهمه تانيزاكي من "راهبة كاسترو" لستندال. والرواية في قصة ستندال، شأن راوية "المرنطة"، يرتحل إلى بقعة نائية في إيطاليا لتبين حقيقة قصة يكتمها مؤرخون متميزون. ومثل راوية "التاريخ السري" فإنه يبني قصته على أساس مخطوطين عتيقين. غير أن هناك فارقاً، فقد استخدم ستندال مخطوطات إيطالية حقيقية، كأساس للحكايات الواردة في مؤلف "قصص إيطالية" الذي يضم بين دفتيه قصة "راهبة كاسترو"، بينما اصطنع تانيزاكي المخطوطات التي يذهب إلى أن "التاريخ السري" يقوم على أساسها، وجميع الشخصيات والأحداث (باستثناء عدد من القادة الذين ورد ذكرهم في التصدير والكتاب الأول) هي من نسج الخيال الروائي. ومن ناحية أخرى فإن المصادر المذكورة في "المرنطة" هي مصادر أصلية كلها.