تحميل كتاب ثورة منطقة الحفة على المستعمر الفرنسي 1918 pdf هي من أوائل الثورات التي قامت ضد المستعمر الفرنسي إن لم تكن أولها، والكتاب من المراجع القليلة التي تحدثت عن الثورة بإسلوب علمي تحليلي.
في الحقيقة لم يجر أي تدوين لحدثنا باستثناء التدوينات العارضة والتسجيلات الجزئية الطارئة, ولم يقم أي شخص بدراسة كلية علمية كاملة للموضوع, إبان الاستعمار الفرنسي, لأن هذا الاستعمار كان يحارب كل ظاهرة إيجابية, كما أن ذلك لم يحدث في الحقبة الاستقلالية الوطنية, لأن السلطة السياسية في هذه الحقبة, ورثت من الاستعمار الفرنسي جهازاً بيروقراطياً روتينياً سفّه وهمّش وحارب منطقة جبل صلاح الدين (صهيون), وإنني لا ألقي هذا الكلام على عواهنه, وقد رأيت بأم عيني مدى الاضطهاد والذي مارسته الأجهزة البيروقراطية لمجرد حدوث حادث أمني بسيط, ولعل منطق السلطة في ذلك, هو أن جبل صهيون (صلاح الدين), ملتهب دائماً وحاد وحار, وبالتالي فهو صنو التمرد بعينه وتوأم اللا استقرار بلحمته وسداه, مع التنويه استطراداً بأن منطقة صلاح الدين لعبت دوراً تاريخياً استراتيجياً, إذ حققت الاستقرار والأمن في المنطقة طيلة العهد التركي صعوداً حتى عصر البطل الأواه المنيب صلاح الدين الأيوبي, فإذا بالاستعمار الفرنسي نيعت هذه المنطقة بأنها رمز التوتر والاضطراب, وما حقيقة الأمر إلا صورة الاضطراب عليه.
ونقطة ثانية جديرة بالتنويه والإلحاح والذكر, هي أنه جرت محاولات في العهد الوطني لتدوين ثورة منطقة صلاح الدين, ولكن هذه المحاولات كانت نتفاً تجميلية تزويقية بيروقراطية مبعثرة ابتعدت عن الأسلوب العلمي لتسقط في براثن قصر النظر وشحوب التفكير ونقص الأسلوب في التحليل والتنقيب والحدث والتعليل, هذا فضلاً عن أنها نتف مجتزأة من هنا وهناك لم تعالج الموضوع بصورة متكاملة ومتعاضدة.
أقول ذلك لأن بعض عدسات وكاميرات التلفاز تعاملت مع الحدث بأسلوب زخرفي تزييني يقتصر على تصوير عرضي وصفي لبعض المشاهدات الحسية للحادث أو لاستقصاء شحيح له, والأمر نفسه بالنسبة للإخباريين, نقول إخباريين, وليس علماء على ما تقتضيه الأجهزة المفاهيمية المصطلحية لعلم التاريخ.
وحقيقة الأمر أن هذه الثورة كانت مادة تلفزيونية, شغلت كاميراتها كثيراً وعلماءها قليلاً, فكان رجال الإذاعة أو التلفزيون غالباً ما يصلون إلى الحفة - مركز القضاء- ويتصلون ببعض الأشخاص ليتزودوا بالمعلومات الجذابة المجتزأة ويسجلون بعض الصفحات العارضة المظهرية العاطفية عن تاريخ الثورة, مما لا يروي ظمأ البحث العلمي أو يسد رمقه في معرفة الأسباب الحقيقية.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن أحداث الثورة رفعت من شأن منطقة صهيون لدى الضمير العام الوطني في سورية, - وخاصة لدى أبناء اللاذقية - مما حدا أبناء منطقة الثورة لأن يتغنوا ويفتخروا بها, ويعيشوها في أوقات حياتهم ويرددوها على كل لسان, وهذا ما هيأ للأحداث التفصيلية للثورة من الاستمرار والذيوع والانتشار, مع الإشارة والتأكيد والتدليل بأن الفرنسي وضع كل عائق مستقبلي في وجه منطقة الثورة, لا لشيء إلا لأنها رمز فذ ومثال شامخ للحضارة العربية الإسلامية.
مغزى ذلك أن الثورة أصبحت بالنسبة للمواطن في منطقة صلاح الدين قطعة حياة ملموسة معاشة بين ظهرانيه, وهاجس ما انفك عن التحدي به والتغني بأمجاده, الأمر الذي يبرر لنا التعامل معها بمنهج المعايشة, وما يتصل ويتفرع على ذلك من مبدأ النقل المباشر لتدوين الظرف الحدثي ولعلي هنا أتذكر المفكر الألماني غوته في قوله: النظرية رمادية, أما شجرة الحياة, فهي دائماً خضراء.