تحميل كتاب المسألة الوطنية pdf قلمي لا يخاف في وطنه أبداً لأنه يبتعد عن الابتذال وينهمك في السعي وراء الحقيقة العلمية الهادئة، وأعتقد أن الروح العلمية لا تتناقض مع أحد ولا تختلف مع أحد، بل وندعو أقلام أمتنا الحرة أن ينصرفوا إلى معالجة شؤون الأمة بروح الجد، وذلك لأن الأمة بحاجة إلى هذه الأقلام حاجتها إلى السياسيين، رائدنا في ذلك قوله تعالى: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا لهم " التوبة /122.
بعد هذه الآية " الوعي" أصبح الطريق واضحاً أبلج وأصبح لزاماً علينا أن نتصدى لتشريح جسم الحريات العامة بصفته هذه الحريات مقولة قانونية وأداة فنية وبمعزل عن أية روح أو اعتبار آخر.
هذا ونشير أن دراسة الحرية لا تقبل بل يتلازم مع دراسة السلطة، وكأننا والحالة هذه حيال وجهي فانوس في الأسطورة اليونانية المشهورة: وجه مضيء وآخر كئيب عابس ترهقه القترة.
وحقيقة الأمر، إنها تكاد تجد الحرية تبحث في التاريخ في إطار علاقتها مع السلطة في حال دفعنا وتدافعاً وتشاوراً بل وتناقض وتجاذب،فكانت الحرية تارة تفور عندما كانت تفور السلطة والعكس،
وهذا ما حدا فقهاء القانون العام أن يطلق على هذه العلاقة تسمية " جدل السلطة والحرية " بيد أن الفكر الديمقراطي الحر استطاع مؤخراً أن يحقق انتصارات هامة فذة وبالتالي استطاع أن يؤسس العلاقة بين الحرية والسلطة، وبالتالي أن تجري هاتيك لعبة الشطرنج التاريخية المشهورة بينهما، حيث كتب في هذه اللعبة وعلى أحجارها سلطة، حرية، وجرت اللغة ضمن رؤية ومصلحة ورقابة الأمة.
وهنا نكون قد وصلنا إلى ضالتنا المنشودة بحيث تصبح دراستنا للحريات العامة في جميع أوضاعها أي في انسجامها مع السلطة في لعبة الشطرنج القريبة بين السلطة والحرية للوصول عن طريق العقل إلى الحقيقة المجردة التي تعالج مجرد قضايا الأمة، وهي معالجة علمية استشراقية غايتها احتضانها الحقيقة، باعتبارها البلسم لكل حياة.
والملاحظ أننا سنتناول أمهات أوضاع الحرية وأضرابها وبصورة أخص حرية الرأي مركزاً على موضوع التأثيم على ممارسة هذه الحرية تأثيماً يطلب عليه أن يكون مزيفاً بطلب عليه عنصر الإفتئات والتعدي والمصادرة للحرية من قبل السلطة.