تحميل كتاب قادة فتح الأندلس الجزء الثاني pdf 2003م - 1443هـ الفَتْحُ الإسْلَامِيُّ لِلأَندَلُسِ أو الغَزْوُ الإسْلَامِيُّ لِلأَندَلُسِ (بِاللاتينيَّة: Capta Islamica della Hispania؛ بِالأمازيغيَّة التماشقيَّة: ⴰⵔⵎⴰⵙ ⵏ ⵉⵏⵙⵍⵎⵏ ⵉ ⴰⵍⴰⵏⴷⴰⵍⵓⵙ نقحرة: أرماس نـ ئنسلمن ئـ ألاندالوس)، وفي بعض المصادر ذات الصبغة القوميَّة خُصُوصًا يُعرفُ هذا الحدث باسم الفَتْحُ العَرَبِيُّ لِلأندَلُسِ، كما يُعرف في بعض المصادر العربيَّة باسم الفتح الإسلامي لِإسپانيا، وفي بعض المصادر الأجنبيَّة بِالفتح الإسلامي لِهسپانيا، هو حَملةٌ عسكريَّة بدأت سنة 92هـ المُوافقة لِسنة 711م قادها المُسلِمُونْ تحت راية الدولة الأُمويَّة ضدَّ مملكة القوط الغربيين المَسيحيَّة في هسپانيا، التي حَكمت شبه جزيرة أيبيريا والتي عَرفها المُسلِمُونْ باسم «الأندلُس»، بجيشٍ مُعظمه مِن البربر بقيادة طارق بن زياد نَزل عام 711م في المنطقة التي تُعرف الآن بِجبل طارق، ثُمَّ توجَّه شمالًا حيثُ هزم ملك القوط لُذريق (رودريك) هزيمةٌ ساحقة في معركة وادي لكة. واستمرت حتى سنة 107هـ المُوافقة لِسنة 726م واستولتْ على مناطق واسعة من إسپانيا والپُرتُغال وجنوب فرنسا المُعاصرة. كان من أسباب فتح الأندلُس إقبال البربر على اعتناق الإسلام بعد تمام فتح المغرب وتوقهم لِلغزو والجهاد في سبيل الله، وفي نفس الوقت شجَّع والي طنجة الرومي يُليان المُسلمين على مُهاجمة الأندلُس بِسبب خِلافٍ كبيرٍ وقع بينه وبين الملك لُذريق بِسبب اعتداء الأخير على ابنته واغتصابها عندما كانت تُقيم في بلاطه، وفق ما تتفق عليه المصادر العربيَّة والإسلاميَّة، وكذلك لأنَّ المُسلمين رأوا توجيه جُهود الفتح والغزو نحو بلادٍ حضريَّةٍ غنيَّة تُفيد الدولة الأُمويَّة وعُموم المُسلمين، بدل تحويله نحو الواحات والبلاد الصحراويَّة، ولِرغبتهم في الاستمرار بِنشر الإسلام في البُلدان المُجاورة. تمَّ فتحُ الأندلُس خِلال فترةٍ قياسيَّة نسبيًّا، واعترف المُسلمون بعد خُضوع شبه الجزيرة الأيبيريَّة لهم بِحُقوق النصارى واليهود في إقامة شعائرهم الدينيَّة نظير جزيةٍ سنويَّة، كما هو الحال مع سائر أهالي البلاد المفتوحة من المسيحيين واليهود، وأقبل مُعظم القوط على اعتناق الإسلام وامتزجوا مع الفاتحين الجُدد، وانسحب قسمٌ آخر منهم نحو الشمال الأيبيري الذي لم يخضع طويلًا لِلمُسلمين. عاد قائدا الفتح موسى بن نُصير وطارق بن زياد إلى عاصمة الخِلافة دمشق بِأمرٍ من الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة 96هـ المُوافقة لِسنة 714م حيثُ لم يُمارسا أي عملٍ سياسيٍّ أو عسكريٍّ بعد ذلك لِأسبابٍ اختلف فيها المُؤرخون، ولفَّ الغُموض نهاية طارق بن زياد خُصوصًا حيثُ لم يُعرف ما حلَّ به بُعيد وُصوله إلى دمشق. كَان هَذا الفَتْحُ بِداَيةٍ لِلتواجد الإسْلَامِيُّ في الأندلُس الذي امتد لِنحو 800 عام تقريبًا، قَضاها المُسلِمُونْ في صِراعٌ مَع الإمارات والممالِك المسيحيَّة التي تكوَّنت في الشمال في المناطق التي لم يغزوها المسلمون حتى سقوط مملكة غرناطة عام 897هـ المُوافق فيه 1492م. وخِلال تلك الفترة أسَّس المُسلمون حضارةً عظيمة في البلاد الأندلُسيَّة حتَّى اعتُبرت «منارةُ أوروپَّا» خِلال العُصُور الوسطى، وحصلت حراكات اجتماعيَّة بارزة نتيجة هذا الفتح وتعدُد العرقيَّات البشريَّة التي سكنت البلاد الأندلُسيَّة، فتعرَّبت بعض قبائل البربر وبعض القوط، وتبربرت بعض قبائل العرب، واختلط العرب والبربر والقوط وشكَّلوا مزيجًا سُكانيًّا فريدًا من نوعه في العالم الإسلامي، وأقبل القوط الذين بقوا على المسيحيَّة على تعلُّم اللُغة العربيَّة والتثقُّف بِالثقافة الإسلاميَّة مع حفاظهم على خُصوصيَّتهم الدينيَّة، فعُرفوا بِالمُستعربين، وكتبوا لُغتهم بِالأحرف العربيَّة التي عُرفت باسم «اللُغة المُستعربيَّة». الوضع الاقتصادي كان الوضعُ الاقتصادي في الأندلُس قُبيل الفتح الإسلامي شبيهًا إلى حدٍ كبير بِالوضع الذي كان سائدًا خِلال العهد الروماني؛ فالأرستقراطيَّة الرومانيَّة ظلَّت على أشكالها من الغنى وإفشاء التمييز والطبقيَّة واستغلال التُجَّار والمُزارعين البُسطاء، فأْتَلَف الأعيان مع الحُكَّام القوط، وساء أمر العامَّة نتيجة تراكم الضرائب والأتاوات، ونقص الأمن بمُختلف أوجُهه. ووُصفت الهيكليَّة الاقتصاديَّة لِلمملكة القوطيَّة بأنها رُبما كانت الأقرب إلى المنظومة الرُومانيَّة من غيرها من هيكليَّات الممالك الأوروپيَّة الغربيَّة التي كانت قائمة آنذاك. ولمَّا تولَّى لُذريق العرش القوطي تابع سياسة أسلافه التقليديَّة في جمع المال، فأرهق البلاد والعِباد بِالضرائب الفادحة حتَّى عمَّ الفقر على الرُغم من غنى البلاد بِالموارد الاقتصاديَّة. الوضع الاجتماعي وُجدت في المُجتمع الأيبيري قُبيل الفتح الإسلامي عدَّة طبقات اجتماعيَّة كان أهمُّها: طبقة النُبلاء: وهُم الأُمراء القوط وعلى رأسهم الملك الذي مثَّل رأس النظام القوطي، بِالإضافة إلى بقايا طبقة النُبلاء الرومان الذين تحالفوا معهم لِلمُحافظة على مُكتسباتهم وامتيازاتهم. كان أفراد هذه الطبقة قليلي العدد، وشكَّلوا فئة أرُستُقراطيَّة حاكمة ومُتميزة، نعموا بامتلاك الإقطاعات الكبيرة والضياع الواسعة، وفُقد الانسجام الحضاري بينهم وبين بقيَّة السُكَّان بِفعل عدم اختلاطهم بهم. والواضح أنَّ هذا الاختلال أوجد نوعًا من التنافُر بين الطرفين، وفشلت هذه الطبقة في خلق مُجتمع مُتجانس وطني الانتماء. كانت البلاد، حتَّى مُنتصف القرن السابع الميلادي، تُحكم وتُدار من جانب إدارة مُشتركة من هذه الطبقة. فالنُبلاء القوط مسؤولون عن السُكَّان القوط، والنُبلاء الرومان يُمارسون سُلطانهم على السُكَّان الرومان، في حين كان الملك القوطي ومُوظفوه الكبار يُقررون السياسة العامَّة لِلدولة. كان مُلَّاك الأراضي الكبار يُشرفون على إقطاعاتهم ومزارعهم بِواسطة وُكلاء ومُديري أعمال في مُقاطعاتهم. والواقع أنَّ أفراد هذه الطبقة كانوا أغنياء جدًا، بنوا ثروتهم على حساب الطبقات الفقيرة المُعدمة، وقد نجح بعضهم في الاحتفاظ بِثروته حتَّى الفتح الإسلامي. طبقة رجال الدين: استغلَّ رجال الدين مركزهم الديني المُتميِّز فاستمتعوا بِقسطٍ وافرٍ من النُفوذ والسُلطان. فامتلكوا الأراضي الواسعة والضياع والقُصُور الحافلة بِالعبيد، وأصبحوا على درجةٍ عاليةٍ من الثراء، فتناسوا المُثُل العُليا التي نادوا بها حين كانوا فُقراء، وساعدهم على بُلوغ تلك الدرجة تديُّن الأيبيرييين بِعامَّة وسيطرة الدين في العُصُور الوُسطى على مُجمل الحياة. وتمتَّع رجالُ الدين بِمركزٍ مرموقٍ لدى الحُكَّام ممَّا جعل لهم تأثيرًا مكَّنهم من توجيه القوانين والنُظم بما يكفل لهم كسب مزيدٍ من النُفوذ والامتيازات، والقُدرة على التدخُّل في الشؤون السياسيَّة والعسكريَّة، وصياغة الحياة العقليَّة والاجتماعيَّة وفقًا لِتوجُّه الكنيسة وغاياتها، فكانوا يحضرون المجالس الوطنيَّة التي كانت تنظر في الشُؤون العامَّة لِلدولة، ويُصادقون على انتخاب الملك، وادَّعت هذه الفئة لِنفسها الحق في عزله إذا أبى الإذعان لِقراراتها. الطبقة الوُسطى: تألَّفت هذه الطبقة من فئة التُجَّار وصغار المُلَّاك والمُزارعين الأحرار الذين ينتمون لِأُصولٍ قوطيَّة ورومانيَّة. عاشوا في المناطق الريفيَّة والحضريَّة، ومنهم العُمَّال في المُدن الذين كانوا ينتظمون ضمن النقابات، ولا يحق لهم التحوُّل عنها أو الانتقال إلى مدينةٍ أُخرى، وحُرموا من دُخول السلك الكهنوتي والقضائي. واضطرَّ العديد من سُكَّان الأرياف والمُزارعين الأحرار، بِفعل ظُروفهم الاقتصاديَّة الصعبة، أن يتنازلوا عن أراضيهم لِلنُبلاء، وارتضوا بِالعمل والبقاء كمُستأجرين مُقابل تمتُعهم بِحمايتهم، فعُرفوا بـ«المحميين». والمعروف أنَّ القوط لمَّا نزلوا في أيبيريا، ألزموا كُل مُزارع أن يتنازل عن ثُلث أراضيه لِصالح القوطي الذي يُريد احتراف هذه المهنة، وفي حال رفض القوطي أن يعمل بالزراعة، يقوم المُزارع باستغلال الأرض، ويُقدِّم ثُلث إنتاجها لِلنبيل القوطي، واتسعت هذه القسمة في الأرض وإنتاجها حتَّى شملت المنازل والماشية ومُختلف أنواع الزراعة. ومع مُرور الزمن، اغتصب النُبلاء الأرض كُلَّها وعدُّوها ملكًا لِلدولة، وأجبروا المُزارعين الأحرار على العمل فيها كأنهم أقنان أو عبيد، وأضحى هؤلاء، بِمُرور الزمن، مُرتبطين بِالأرض وبِأصحاب الأملاك من النُبلاء، مدى الحياة. وكان على أصحاب هذه الطبقة تقديم عُشر محاصيلهم إيجارًا، إضافةً إلى تأدية بعض الخدمات الشخصيَّة لِلنبيل، وضريبة الرؤوس أو الجزية، وقد وقع عليهم عبء الإنفاق على الدولة، الأمر الذي أدَّى إلى ضعفهم وإفلاسهم فأُصيبوا بِالبُؤس والشقاء. طبقة الشعب الدُنيا: تكوَّنت هذه الطبقة من المُزارعين البُسطاء والعبيد الأرقَّاء، وارتبطوا بِالأرض وأُلحقوا بِالضياع، ولِلسيِّد عليهم حق الحياة أو الموت. وكان هؤلاء جميعًا مُسخرين لِرفاهيَّة الفئات الرفيعة من النُبلاء والأُسرة الحاكمة وكبار رجال الدين، وكانوا يُستخدمون في الأغراض الزراعيَّة والأعمال المنزليَّة على حدٍ سواء، فرزحوا تحت شقاء الحياة وبؤسها، وسُلبت منهم كُل الحُقوق المدنيَّة، وهُم أكثر عددًا من أفراد الطبقات الأُخرى، وأقل حُقوقًا. الوضع الديني انتشرت المسيحيَّة في رُبُوع شبه الجزيرة الأيبيريَّة مُنذُ العهد الروماني، وكان القوط بدايةً على المذهب الآريوسي الذي يقول بِالطبيعة الواحدة لِلمسيح، على أنَّ المذهب الخلقيدوني الذي كان يُدين بِطبيعتين لِلمسيح كان مُنتشرًا في أواسط العامَّة من غير القوط. ولم يفرض القوط مذهبهم، فكان أفراد كُل مذهب يُمارسون شعائرهم الدينيَّة في كنائسهم الخاصَّة بِحُريَّة، بِمُساعدة رجال الدين التابعين لهم. وأدرك أحد مُلوك القوط، وهو ريكَّاريد الأوَّل (586–601م)، عندما حاول إصلاح أوضاع الدولة، وقد اعترضته هذه الظاهرة الدينيَّة الانقساميَّة التي أدَّت إلى حُدوث مُشكلات بين السُلطة والكنيسة؛ أنَّ الإصلاح الحقيقي يبدأ بِتوحيد المذهب الديني، فاتخذ الخلقيدونيَّة مذهبًا رسميًّا وحيدًا لِلبلاد. وهكذا أعلن مجمع طُليطلة الديني الذي انعقد في سنة 587م تخلِّي ريكَّارد عن المذهب الآريوسي واعتناقه المذهب الخلقيدوني، وتبعهُ في هذا التحوُّل سائر القوط، فتوحَّدت الكنيسة الهسپانيَّة تحت ظل الملكيَّة القوطيَّة. أعقب هذا التحوُّل المذهبي تبنِّي اللُغة اللاتينيَّة كلُغة رسميَّة في هسپانيا، وتوثَّقت نتيجة ذلك العلاقات مع البابويَّة التي أضحى تأثيرها كبيرًا في شؤون البلاد، كما أصبح لِأُسقُف طُليطلة مركزٌ هام لا يقل عن مركز الملك نفسه. بِالإضافة إلى الديانة المسيحيَّة، كان ما يزال في أيبيريا عددٌ من السُكَّان الوثنيين، ولكنَّهم تعرَّضوا لِلاضطهاد لِحملهم على اعتناق المسيحيَّة. فقد فرض مجمع طُليطلة الثالث في سنة 589م على كُل أُسقف أن يتعاون مع القاضي المحلِّي في مُكافحة الوثنيَّة في منطقته، وكان البشكنس (الباسك) من جُملة الجماعات الوثنيَّة التي تعيش في منطقة الشمال الشرقي المُتاخمة لِجبال البرتات، وفشل رجالُ الدين في حملهم على اعتناق المسيحيَّة طيلة العهد القوطي. وعاشت في هسپانيا جماعة يهوديَّة كبيرة شكَّلت أحد عناصر السُكَّان في المُجتمع القوطي، ويبدو أنَّهم استوطنوا أيبيريا في وقتٍ مُبكرٍ قادمين من المشرق على أثر الاضطهادات المُتعدِّدة التي تعرَّضوا لها في فلسطين على أيدي الرومان، فانتشروا في البُلدان الواقعة على سواحل البحر المُتوسِّط، ولقَّبوا أنفُسهم بـ«السفرديم»، وأرجعوا أُصولهم إلى قبيلة يهوذا الملكيَّة. انتشر اليهود في مناطق عديدة من أيبيريا، لكنَّهُم تركَّزوا في الأماكن الحضريَّة المُتقدمة مثل العاصمة طُليطلة، وفي المناطق الجنوبيَّة، وعلى طول ساحل البحر المُتوسِّط في الشرق. امتلكوا الضياع الواسعة، وعملوا في الزراعة والتجارة والصيرفة، فحقَّقوا قدرًا وافرًا من الثراء أتاح لهم التحكُّم في الحياة الاقتصاديَّة، ومن خِلالها بِالشُؤون السياسيَّة. ويبدو من التشريعات العديدة التي صدرت بِحقهم في عُهودٍ مُختلفةٍ أنَّ فعاليَّتهم التجاريَّة كانت مُهمَّة بِقدر أهميَّة نشاطهم الزراعي. لم يتعرَّض اليهود في مُستهل الحُكم القوطي لِلمُضايقات، وسُمح لهم بِحُريَّة العقيدة ومُمارسة شعائرهم الدينيَّة، ومع الامتداد الزمني لِلحُكم القوطي، شعر القوط بِوطأة اليهود من واقع تصرُّفاتهم التي عُدَّت شاذَّة ومُعادية، مثل: استغلال الغير، وتعاطي الربا الفاحش، والسيطرة على الحياة الاقتصاديَّة، والتآمُر السياسي لِلمُحافظة على المُكتسبات المُنجزة، والاستعلاء على النصارى، بِالإضافة إلى اتجاه المُجتمع الهسپاني نحو الوحدة الدينيَّة. نتيجةً لِذلك ظهر في أيبيريا اتجاهٌ مُعادٍ لِليهود، وبدأ هؤلاء يتعرَّضون لِشتَّى أنواع المُضايقات والاضطهاد، ولعلَّ الملك ألاريك الثاني (484–507م) هو الذي افتتح هذه السياسة، وتقرَّر في مجمع طُليطلة الثالث حرمان اليهود من الوظائف العامَّة، واقتناء العبيد من النصارى، كما فُرض التعميد على أطفالهم من الزواج المُختلط. وخطا الملك «سيسبوت» (612–621م) خُطوة أُخرى حين أمر في سنة 613م، بِتعميد اليهود خِلال عامٍ واحد، أو نفيهم ومُصادرة أملاكهم في حال الرفض، فاعتنق كثيرٌ منهم الديانة المسيحيَّة رياءً، وهرب الرافضون إلى الغال وإفريقية. لم تُحقق هذه التشريعات هدفها الخاص بِتنصير اليهود، لكن مجمع طُليطلة الرابع، الذي انعقد في سنة 633م، أصرَّ على أنَّ اليهود الذين تمَّ تعميدهم لا يحق لهم أن يعودوا إلى دينهم الأصلي، على أن يُفصل من عاد منهم إلى دينه عن أبنائهم، وأن يُباعوا أرقَّاءً، كما أصرَّ على تعميد اليهودي الذي يتزوَّج من مسيحيَّة وإلَّا فُصلت عنه زوجته. وتصاعدت الحملة ضدَّ اليهود في المجمع الثاني عشر، الذي انعقد في سنة 61هـ المُوافقة لِسنة 681م في عهد الملك «إيرڤيگ» (60 - 67هـ 680 - 687م)، فحُرموا من امتلاك مزارع النصارى، ووصلت ذُروة التضييق عليهم في عهد الملك إخيكا، الذي اتهمهم بِالتآمُر ضدَّهُ مع يهودٍ من خارج البلاد، فأصدر عدَّة قرارات تشريعيَّة تهدف إلى شل القُدرة الاقتصاديَّة لهم، والحد من قابليتهم في الحُصُول على المعيشة اللائقة، ما حملهم على بيع عبيدهم ومُمتلكاتهم إلى الدولة، كما مُنعوا من مُزاولة العمل التجاري على مُختلف أنواعه سواء أكان داخلي أم خارجي، وتعرَّضوا لِلأذى الجسدي، من السُخرية بهم وامتهان كرامتهم إلى ذبحهم فرادى وجماعات في عمليَّاتٍ مُدبَّرة. وكان من أبرز تشريعات إخيكا مُحاكمة اليهود واللُصوص بِالإغراق بِالمياه بحال ثُبت أنَّ معهم بضائع تفوق قيمتها 300 صرد. واستطاع اليهود، في كثيرٍ من الأوقات، تخفيف القُيُود المفروضة عليهم عن طريق رشوة النُبلاء ورجال الدين، لكنَّهم مع ذلك تأثَّروا، إلى حدٍ كبير، الأمر الذي دفع العديد منهم إلى الفرار من البلاد، كما اشترك بعضهم في العديد من الحركات المُناوئة لِلسُلطة، ومن هذه ثورةٌ كُبرى كانت الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة قد خطَّطت لِإشعال فتيلها في أيبيريا بِالتعاون مع الرومان واليهود المُقيمين في رُبوعها. أدَّت هذه الاضطهادات التي طالت اليهود قُبيل الفتح الإسلامي إلى تطلُّع هؤلاء إلى أي طرفٍ خارجيٍّ مُنقذٍ لهم من الوضع المُتردي الذي كانوا يتواجدون فيه، الأمر الذي جعلهم يتخذون موقفًا إيجابيًّا من الفاتحين المُسلمين لاحقًا. .
عرض المزيد