كتاب قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر ج5
الكاتب سناء البيسي
قراءة كتاب قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر ج5 pdf 2008م - 1443هـ هذا الكتاب تراجمات رجال من العالم الإسلامي أجمع ، وسجل بمداده أحداثاً وقعت في بلاد اليمن وما حولها ، وأخبر عن أعلامها ما لا تجده مجموعاً في كتاب ، بل ولا مدوناً في ديوان أو مخبوءاً في سرداب ، وذلك لأن المؤلف رحمه الله قد تخصص في هذا الفن وأعطاه من عمره زهرته ، وجمع له من المصادر ما لا تسمع به عند غيره لندرته . هذا الكتاب كاسمه ؛ قلادةٌ وضعها مؤلِّفها العلامة الطيب بامخرمة على نحر التاريخ ؛ ليعرض لنا التاريخ في أجلى صوره ووقائعه ، تاريخَ بلاد من أعرق البلدان ، وتاريخ رجال أعلام سطروا بحياتهم أمجاداً لا ينساها التاريخ ، على شتى اختصاصاتهم ، فكانوا حقيقةً كما سماهم المؤلف رحمه الله: أعيان الدهر . لقد دون مؤلفنا في هذا الكتاب تراجمات رجال من العالم الإسلامي أجمع ، وسجل بمداده أحداثاً وقعت في بلاد اليمن وما حولها ، وأخبر عن أعلامها ما لا تجده مجموعاً في كتاب ، بل ولا مدوناً في ديوان أو مخبوءاً في سرداب ، وذلك لأن المؤلف رحمه الله قد تخصص في هذا الفن وأعطاه من عمره زهرته ، وجمع له من المصادر ما لا تسمع به عند غيره لندرته . وقد حوى هذا الكتاب ـ ولا سيما في مجلديه الأخيرين ـ تراجمات أعيان كبار لم يحبوا الظهور ، وخفي ذكرهم في ثنايا السطور ، فقام مؤلفنا رحمه الله فوفاهم حقهم ، وأبرز للأجيال فضلهم . ورغم أنه في كثير من جوانب الكتاب لم يكن إلا ملخصاً أو ناقلاً من المراجع القديمة .. إلا أن حاسة المؤلف النقدية قد برزت في مواضع عدة من كتابه ، في تحقيق تاريخٍ ، أو نقد حدثٍ ، أو تصحيح معلومةٍ . ومما زاد كتابه إشراقاً وتوثيقاً ذاك المنهج العلمي المعتدل الذي اتسم به ، فكاتب التاريخ لا بد أن يكون أميناً في تدوين الوقائع والأخبار ؛ لا يتعصب لأحد ولا يغفل أحداً ؛ إذ هكذا حال الصادقين والعلماء المخلصين ، إنه تاريخ يذكر ، وحقائق تنشر . كتابنا هذا جمع فيه مؤلفه مجموعاً لائقاً ، وأنموذجاً فائقاً ؛ إذ جرد في ذلك عزمه ، وصرف إلى تحصيله همه ، فجاء بحمد الله وافياً كافياً ، وقد سلك فيه مهيع التوسط بين الإطناب الممل والإيجاز المخل ، ورتبه على السنين مبتدئاً بأول سنة من الهجرة النبوية ، على صاحبها أطيب الصلوات والتسليمات المباركة الزكية ، حتى وصل إلى عصره ، وترجم لأبناء دهره . ولما أدركت دار المنهاج أهمية هذا السفر النفيس .. حققته تحقيقاً يأنس له كل جليس ، إذ جلبت له مخطوطات نفيسة من شتى البلدان ؛ من أوربا وتركيا واليمن . ولأن المؤلف رحمه الله كتب مسوّدة للكتاب لم يبيضها .. قامت دار المنهاج بالاهتمام البالغ بجلب المصادر والمراجع قدر الوسع ، خشية الوقوع في الخلل ، وهروباً من حصول النقص والزلل ، وقد ألبسته من ثيابها الأنيقة ، التي تهتم فيها بكل شاردة ودقيقة ، فجاء ولله الحمد يزهو على وجه الحقيقة ، ويفتخر بذلك أمام كل الخليقة . فدونكم هذا التاريخ فاقرؤوه ، وترحموا على أولئك العظام الذين صنعوه ، وعلى من ألفه وحققوه . يقول العلامة ابن خلدون: (اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم؛ حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا) (1). بين يديك أخي القارئ هذا الكتاب التاريخي، وهو من الذخائر اليمنية، والنفائس الحضرمية، يعرض لأخبار الأدباء والشعراء، والأطباء والزهاد وغيرهم، وكانت نظرة المصنف شاملة؛ فلم يقتصر على تاريخ رجال اليمن وحوادثه، وأئمته وأعلامه، بل عمت تراجم رجاله رقعة العالم الإسلامي الجغرافية من أقصى بلاد ما وراء النهر شرقا إلى المغرب وأقصى بلاد الأندلس غربا. وتزداد أهمية هذا السفر: أنه سجل قلمه أخبارا عن حضرموت وما والاها إلى تعز المحروسة، وأماطت ريشة الإمام بامخرمة عن أعلام في هذا الجزء الكبير من اليمن العزيز، وتحدث عنهم بطريقة العلماء الأماجد، فأبان عن شخصياتهم ومذاهبهم وأحوالهم دون تحيز أو ملق أو نزق، وهذه هي طريقة الأئمة المخلصين، كما أن مصادره التي اعتمد عليها وفيرة، ومنها ما لم تمتد إليه يد الباحثين؛ لندرته أو فنائه؛ بحيث صار في حكم المعدوم، فليس لنا طريق توصل إلى معلومات في تلك الموضوعات إلا كتابه هذا. ومما زاد الكتاب أهمية: ما تميز به من منهج علمي وحياد إزاء الفرق والمذاهب المتعددة الذين عرض مناهجهم في «قلادته»، فجمال الدين من الأعلام المتمكنين، والعلماء البارزين، وهو من أسرة عريقة في العلم والشرف، وقد تقلد القضاء بعد طول تمنع، فكان يقال له: قاضي الدولة الطاهرية-كوالده-وكان مفتيها بعدن. والذي يعنينا في هذه الأحرف: أن المؤلف استقى مادة كتابه-ولا سيما تراجم أهل اليمن خاصة-من مصادر متنوعة وثيقة، حبرتها أنامل يمنية؛ ك «كتاب السلوك» للجندي، و «طراز أعلام الزمن» للخزرجي، و «تحفة الزمن» للأهدل، و «الجوهر الشفاف» للخطيب، و «البرقة المشيقة» لعلي بن أبي بكر، و «طبقات الخواص» لشهاب الدين الشّرجي الزبيدي، و «تاريخ ابن حسان»، وهو مصدر نفيس، ولكنه في عداد الكتب المفقودة التي لم تعرف إلا بالنقل من نصوصها في هذه «القلادة». وخلاصة القول: إن هذا الكتاب الموسوم ب «قلادة النحر» تميز بالخصائص التالية: 1 - تميز بتنوع التراجم؛ فهو لم يعن بتراجم طبقة معينة، ولم يقتصر على زمن دون آخر، ولم ينتق تراجم قطر خاص، فقد حلت «قلادته» جيد التاريخ، وأشرقت في نحر الأعيان؛ من محدثين وفقهاء، وخلفاء ووزراء، وشعراء وأدباء، وملوك وسلاطين، وقواد وفاتحين، وقضاة ونحاة، وزهاد وعباد، اغترف من بحر الحقائق دون مواربة، ونطق قلمه بالصدق دون تلعثم، وكشف عن محيا الحقيقة، فتجلت في أبهى حللها، وقيد في «قلادته» من الفوائد النفيسة ما يزري باللؤلؤ المنظوم؛ لأن تفنن فكره وتنوع معارفه كان لهما أثر خلاب؛ إذ سكب من تلك المعارف في طروسه، فبهر أولي الألباب؛ لما ضمه فيها من نفائس مستجادات، وتحليلات واستنتاجات. 2 - إن الترتيب الزمني اعتمد فيه على السنين؛ فافتتح كتابه من فاتحة التاريخ الهجري سنة (1 هـ) إلى عصر المؤلف سنة (927 هـ)، وهو إذ قسمه إلى وحدات مئوية .. فإنه جزء الوحدة إلى خمسة أقسام، كل قسم يضم طبقات عشرين سنة، والعشرون ذاتها جعلها شطرين: الأول خصصه للتراجم مرتبة على الوفيات، والثاني في الحوادث ورتبها على السنين، وهذه الطريقة التي سلكها في الترتيب من أوليات «القلادة»؛ إذ هو ابتكار غير مسبوق، ونظام لم ينسج على منواله السابقون. وهو في خضم نقش التراجم لم يميز تراجم اليمنيين عمن سواهم من الأقطار الأخرى، بل كانت التراجم خليطا من هؤلاء وأولئك، فالكل على بساط التاريخ سواسية، فلا تحيز ولا عاطفة ميالة، وكأن يراعة الشيخ تقول: (وكل إناء بالذي فيه ينضح). .
عرض المزيد