كتاب نصيبي من الحقيقة
الكاتب محمد مزالي
قراءة كتاب نصيبي من الحقيقة pdf في هذا الكتاب القيم يقدم محمد مزالي شهادته أو «نصيبه من الحقيقة»، متناولا مسيرته السياسية والفكرية والثقافية والرياضية، محاولا القيام بنوع من المحاسبة الختامية، متوخيا ـ وبقدر ما يستطيع ـ الحقيقة والموضوعية في كل ما سطره دون تهويل أو تهوين، مؤكدًا أنه لم يقلْ كل شيء في هذا الكتاب، فليس كل ما يُعلم يُقال، فلم يحن الوقت بعد لإماطة اللثام عن بعض أسرار الدولة التي قد تحرج عددا من المسؤولين، واثقا من أن الأجيال القادمة ستتم ما اكتفى فيه اليوم بالرموز دون النطق بالحروف.
لقد قدم محمد مزالي شهادته تلك موصيا المواطنين والأبناء والأحفاد وخاصة المؤرخين بالمزيد من البحث الموضوعي والتنقيب العلمي، قصد إعطاء صورة ناصعة وفيَّة لتاريخ تونس منذ الاستقلال، داعيا إياهم ليساهموا «بنصيبهم من الحقيقة». وتصدرت غلاف الكتاب صورة لمزالي مع بورقيبة الذي أنهكه المرض في آخر فترة حكمه في الثمانينات حين كانت البلاد على وشك الانهيار اقتصاديا وسياسيا قبل أن يصل الرئيس زين العابدين علي للحكم في نوفمبر 1987 ويعيد بناء أسس دولة حديثة.
يروي الوزير التونسي السابق وعمره الآن 80 عاما، ويسكن في ضاحية بسكرة التونسية، ان معاناته بدأت حين عزله بورقيبة من منصبه كوزير أول في الثامن من يوليو 1986 رغم انه لم يكن من اللاهثين وراء الكراسي على حد تعبيره. ويقول «شعرت بأنني تحررت لأني لم أكن متهافتا على الكرسي ولأني استمد قيمتي من ثقافتي خلافا لوزراء آخرين يستمدون قيمتهم من الكراسي».ويضيف «لكن ما جرى هو أن المتكالبين على السلطة صنعوا لي مكيدة بما انهم أصبحوا ينظرون لي كرئيس دولة محتمل».
وينص الدستور التونسي على أن الوزير الأول يتولى رئاسة الجمهورية بصفة مباشرة في حال عجز الرئيس أو وفاته. ومضى يقول «بعد إقالتي استقبلني بورقيبة وكان لطيفا ووديا معي لكن بعد وقت قصير انقلب وطالب بإعدامي قبل نهاية عام 1986 بعد أن حكوا له أني انوي تحضير انقلاب». وتقلد مزالي منصب الوزير الأول في عهد بورقيبة منذ 1980 إضافة إلى عدة وزارات أخرى منها الصحة والتربية والرياضة والدفاع.
قدم مزالي في كتابه حقائق كثيرة قائلا: «ألقوا القبض على ابني وعلى صهري وضغطوا عليهم للاعتراف بأنهم أطراف في مؤامرة تهدف للإطاحة ببورقيبة، ومن المؤسف أيضا أنهم اقتادوا ابنتي إلى مخفر للشرطة تقتاد إليه عادة نساء الليل». وقال انه رغم توقعه بما سيلحق بعائلته من أذى فإنه أصر على الهروب من حبل المشنقة التي أمر بها بورقيبة قبل نهاية ديسمبر 1986.
وأضاف «الحل كان أن اهرب بكل الوسائل.. دبرت خطة للهروب بجلدي برا عبر الجزائر بمساعدة ضابط في الطيران التونسي يدعى رشيد عزوز». وتابع «قررنا أن نبدأ رحلتنا واخترنا يوم 3 سبتمبر الموافق لعيد وطني كان الرئيس يحيي فيه احتفالا بالمنستير وكانت فيه قوات الأمن والحرس مهتمة بحراسة الرئيس».
وارتدى مزالي «البلوزة» التونسية وهي لباس عادة ما كان يرتديه التجار التونسيون في ذاك الوقت متجها سرا إلى حمام بورقيبة حيث طلب من احد المواطنين أن يوصله إلى اقرب منطقة حدودية مع الجزائر وقد استقبلنا المواطن وقدم لنا طعاما وطلب من ابنه أن يقوم بتأمين مهمة عبوري للحدود».
لكن يبدو أن ابن ذلك الشخص قد عرفه وقرر أن يقدم وشاية للحرس قبل أن يتدخل عزوز ويبدأ عراكا معه بينما فر مزالي في ظلام القرى الحدودية. وقال الوزير الأول الأسبق انه عانى الأمرين خلال قطع الوادي الحدودي حيث جرح وسال الدم من وجهه ومن يديه بعد أن لطمته الأغصان ولكنه أصر على متابعة طريقه الوعرة.
ومضى يقول «مزق سروالي وكانت حالتي رثة وسقطت مرات وأرهقت لكني تذكرت في ذلك الوقت مقولة طارق بن زياد.. العدو أمامكم والبحر وراءكم.. وأصررت على المضي قدما». وأخيرا وصل إلى قرية في الجزائر حيث وجد رجلا وابنه عرفاه بسرعة من خلال الخطب التلفزيونية التي كان يلقيها وأخذاه إلى ثكنة للجيش وفق طلبه حيث ارتاح قليلا.
وأكد وزير بورقيبة الأول الأسبق انه راهن على رجولة الجزائريين وشهامتهم عند إقدامه على المغامرة وكان يتوقع منهم تقديم العون له. ويبدو أن توقع مزالي كان في محله حيث أصر ضابط رفيع في الجيش القيام بواجب الضيافة معه قبل أن يصطحبه في رحلة إلى العاصمة الجزائر حيث استقبله بالقصر الرئاسي الشاذلي بن جديد الرئيس الجزائري بنفسه.