كتاب أربعون حديثًا في الخيرية
الكاتب محمد بن ابراهيم الهزاع
قراءة كتاب أربعون حديثًا في الخيرية pdf النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جاء بشريعة كاملة شاملة، شملت جميع جوانب الحياة الخاصة والعامة، كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]. وقال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾. [الأنعام: 38]. فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، فما مَنْ خير إلا ودل الأمة عليه، وما من شر إلا وحذرها منه. وقد استخرت الله تعالى في جمع أربعين حديثا في الخيرية مشتملة على بعض الأبواب الفقهية من عبادات ومعاملات وأخلاق وأحكام؛ ليعم الانتفاع بها والعمل بما جاء فيها، اقتداء برسول الأمة محمد بن عبد الله -عليه أفضل الصلاة والسلام. وكان منهجي في هذه الرسالة على النحو التالي: 1- اخترت عشرين حديثا في الخيرية, والتزمت أن تكون صحيحة ومعظمها في صحيح البخاري ومسلم، وقمت بشرح الأحاديث شرحا موجزا، وحرصت أن أربط الحديث بواقع الناس, وبما استجد في حياتهم أمور قدر المستطاع. 2- ثم اخترت عشرين حديثا أخرى في الخيرية ودونتها مع ذكر درجتها من الصحة، دون التعرض لشرحها؛ لوضوحها ولعدم الحاجة إلى شرحها. واتبعت في تخريج الأحاديث ما يأتي: أ- إن كان الحديث في الصحيحين اكتفيت بالعزو إليهما أو إلى أحدهما. ب- إن كان الحديث في غير الصحيحين اعتمدت على كلام العلماء عليه، وعولت كثيرا على مؤلفات فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله. ج- إن كان فيها حديث قد تكلم عليه بالضعف، فقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ومع هذا فليس اعتمادي على مثل هذا الحديث اعتمادا كليا. 3- جعلت بين يدي الموضوع تمهيدا اشتمل على تفاضل العبادات وأقسام الناس نحو تفاضل العبادات، مبينا أن العبادات تتفاضل بتفاضل الأوقات والأزمنة. وليس لي في هذه الرسالة من عمل سوى: الجمع، ثم الترتيب، ثم التعبير، ثم التلخيص؛ وهو أدنى مراتب التأليف. ومع هذا ما كتبت شيئا إلا خائفا مَنْ الله، مستعينا به معتمدا عليه، فما كان حسنا فمن الله وبفضله، وما كان ضعيفا فمن النفس الأمارة بالسوء. كما أسأل الله -عز وجل- أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به كل مَنْ يقرؤه أو يسمعه أن يبذل النصيحة لكتابه فإن الدين النصيحة، والمؤمن مرآة أخيه إذا رأي فيه عيبا أصلحه. والله تعالى حسبي ونعم الوكيل. تمهيد حول تفاضل العبادات انقسم الناس في مفهوم أفضل العبادات وأنفعها وأحقها بالإيثار والتخصيص إلى أربعة أصناف، سوف أذكر هذه الأصناف باختصار مع عدم مناقشة هذه الآراء، مكتفيا بذكر الرأي الراجح([1]): الصنف الأول: أفضل العبادات وأنفعها عندهم: أشقها على النفس وأصعبها، لأنها أبعد عن الهوى، وهو حقيقة التعبد، والأجر عندهم على قدر المشقة. وهؤلاء هم أهل المجاهدات والجور على النفس، واحتجوا بحديث لا أصل له: أفضل الأعمال أحمزُها([2]). الصنف الثاني: قالوا: أفضل العبادات التجرد، والزهد في الدنيا والتقليل منها غاية الإمكان. الصنف الثالث: رأوا أن أنفع العبادات وأفضلها: ما كان فيه نفع متعد، فهو عندهم أفضل من ذي النفع القاصر، فرأوا خدمة الفقراء والاشتغال بمصالح الناس وقضاء حوائجهم ومساعدتهم أفضل. واحتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : «الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله»([3]). وقالوا: إن عمل العابد قاصر على نفسه، وعمل النفاع متعد إلى الغير، أن أحدهما مَنْ الآخر ولهذا كان فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب. الصنف الرابع: وهو القول الراجح: إن أفضل العبادات: العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته. فأفضل العبادات وقت الجهد: الجهاد، وإن آل إلى ترك الأوراد، وصلاة الليل، وصيام النهار, بل ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن. والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا: القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب، وكذلك في أداء الزوجة والأهل. والأفضل في أوقات الأذان: ترك ما هو فيه من ورد، والاشتغال بإجابة المؤذن، وهكذا....... وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق، والأصناف الثلاثة أهل التعبد المقيد، فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به مَنْ العبادة وفارقه, يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته، فهو يعبد الله على وجه واحد. وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره، بل غرضه تتبع مرضاه الله تعالى أينما كانت، فمداره عليها فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية، كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى. فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره، فإن رأيت العلماء رأيته معهم، وإن رأيت العُباد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم. فهذا هو العبد المطلق الذي لم تملكه الرسوم ولم تقيده القيود، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيها من لذاتها وراحتها من العبادات. بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواء. فهو كالغيث حيث وقع نفع، وكالنخلة لا يسقط ورقها وكلها منفعة حتى شوكها. ومع هذا فهو يغضب إذا انتهكت محارم الله، وشديد على المخالفين لأوامر الله، فهو لله وبالله ومع الله. القسم الأول الحديث الأول: خيرية ركعتي الفجر عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها»([4]). هذا الحديث فيه دلالة على أفضلية ركعتي الفجر، وأنها خير من الدنيا وما فيها من أثاث ومتاع، ويدل أيضا على استحباب تعاهدهما وكراهية التفريط فيهما لا فيهما من الأجر العظيم. -قوله: «ركعتا الفجر»، أي سنة الفجر وهي مشهورة بهذا الاسم، ولا يمكن أن تُحمل على الفرض. -قوله: «خير من الدنيا»، أي خير من أن يُعطى تمام الدنيا في سبيل الله تعالى، أو هو على اعتقادهم أن في الدنيا خيرا، وإلا فذرة من الآخرة لا تساويها الدنيا وما فيها([5]). وقد استدل بهذا الحديث على أن ركعتي الفجر أفضل من الوتر وهو أحد قولي الشافعي. ووجه الدلالة أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل ركعتي الفجر خيرا من الدنيا وما فيها، وجعل الوتر خيرا من حمر النعم، وحمر النعم جزء مما في الدنيا، ومن العلماء من ذهب إلى أن الوتر وركعتي الفجر سواء في الأفضلية([6]). ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر، كما جاء في الحديث: «لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر»([7]). وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتركهما حضرا ولا سفرا([8]). خيرية صفوف الرجال والنساء في الصلاة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»([9]). -قوله: «خير صفوف الرجال أولها» أي: أكثرها أجرا وهو الصف الأول، الذي تصلي الملائكة على من صلى فيه، فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول»، قالوا: يا رسول الله وعلى الثاني؟ قال: «وعلى الثاني»([10]). والصف الأول الممدوح الذي قد وردت الأحاديث بفضله والحث عليه، هو الصف الذي يلي الإمام, سواء جاء صاحبه متقدما أو متأخرا, وسواء تخلله مقصورة ونحوها أم لا. وقال بعض العلماء: الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه، لا يتخلله مقصورة ونحوها. وقيل: الصف الأول عبارة عن مجيء المصلي إلى المسجد أولا، وإن صلى في الصف متأخرا. ورجح النووي القول الأول، وقال في القولين الآخرين: (وهذان القولان غلط صريح) ([11]). -قوله: «وشرها آخرها» وإنما كان شرها لما فيه من ترك الفضيلة الحاصلة بالتقدم إلى الصف الأول([12]). -قوله: «وخير صفوف النساء آخرها» إنما كان خيرها لما في الوقوف فيه من البعد عن مخالطة الرجال، بخلاف الوقوف في الصف الأول من صفوفهن فإنه مظنة لتعلق القلب بهم المتسيب عن رؤيتهم وسماع كلامهم، ولهذا كان شرها. .
عرض المزيد