تحميل كتاب الرسول زوجا pdf في كل يوم نقرأ في الصحف عن ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعاتنا المسلمة، وفي كل حين تتناهى إلى أسماعنا قصة من قصص الشقاق الأسري والنزاع الزوجي، كثيرًا ما تنتهي بالطلاق أو تفضي إلى أسرة شقية بائسة تكون مرتعًا خصبًا لناشئة السوء والفساد. وكل من له أدنى اتصال بالعاملين في حقل التوجيه الاجتماعي أو العلاج النفسي يسمع ما يشيب له الرأس وتدمع له العينان من ضروب الشحناء والبغضاء وفنون الكيد والمكر بين الأزواج. صور كثيرة تتراءى أمام العين، وأصوات مصطخبة ترنّ هنا وهناك، وشعور عميق بالحسرة والألم على الواقع الأسري في أمة هي أمة التكاتف والتعاطف والمرحمة. ترى أين الخلل؟! وكيف صار من صار إلى هذه النفرة المشتتة والجفوة المفتتة؟! ثمةَ أسباب كثيرة وتحليلات متعددة ودوافع شتى، ولكنها تجتمع كلها في كلمة واحدة هي الفهم الخاطئ، نعم الفهم الخاطئ للحياة الزوجية. حين لا تفهم المرأة دورها في عش الزوجية ولا يفهم الرجل دوره أو حين يفهم كل منهما دوره بشكل خاطئ تبدأ النزاعات والشقاقات وإلقاء التهم، وتنشأ قائمة طويلة من التبريرات والتفسيرات لكل موقف أو كلمة. ولنقصر حديثنا هنا على الرجال، وللنساء من بعد نصيب إن شاء الله. كثير من الرجال يتصور أن علاقته بزوجه علاقة الآمر بالمأمور والمتبوع بالتابع والمخدوم بالخادم، ومن ثم فعليه الأمر وعليها الطاعة، وعليه أن يستلقي في الدار وعليها أن تقوم بكل شيء، عليه أن يوفر القوت وعليها أن تدفع ثمن ذلك ذلاً وخضوعًا وانكسارًا. ولما كانت جهامة الوجه وصرامة اللفظ والمبالغة في الشدة، لما كانت هذه الأوصاف في حس البعض هي سمات الزوج الناجح المسيطر على بيته والممسك بزمام الأمور، لما كان الأمر كذلك صارت الابتسامة والمباسطة والمداعبة مدرجة في قائمة المحرمات، وصار من أكبر الكبائر عند البعض أن يقول الزوج لزوجه كلمة رقيقة يعبر بها عن محبته وتقديره لها. ولما كان الاعتقاد عند البعض بأن المرأة لا تصلح لشيء إلا للاستمتاع والخدمة صارت مشاورتها في شؤون البيت وأخذ رأيها فيما يأتي الزوج أو يذر خطيئة كبرى تحطّ من قيمة الزوج وتهز من كبريائه، وصار نزول الرجل عن رأيه من أجل زوجه في عرف هؤلاء شرخًا في الرجولة، لا يمكن أن يلتئم. وهكذا تفعل هذه المفاهيم الخاطئة فعلها في فتور العلاقة بين الزوجين، ثم في نشوء النزاعات والشقاقات. وهلموا نَحتَكِم - أيها الأحبة الكرام - إلى سيد البشر محمد بن عبدالله ، لنرى كيف كان يتعامل مع أزواجه. سنقف اليوم مع الرسول الزوج ، كما وقفنا من قبل مع الرسول المعلم، كيف كان عليه الصلاة والسلام في بيته؟ وكيف كان يمارس دور الزوجية إن أول ما يلفت النظر في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الزوجية أنه كان حريصا على إظهار حبه لزوجاته - رضي الله عنهم -، كان يصرح بهذا الحب ويجهر به، وكان يعلمه أصحابه - رضي الله عنهم وأرضاهم -. كان يقول عليه الصلاة والسلام عن خديجة: ((إني قد رُزقت حبها)) رواه مسلم (2453)، وكان يقف المواقف التي يُعلم منها حبٌّه لأزواجه ، ودونك هذا الخبر الطريف: عن أنس - رضي الله عنه - أن جارًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارسيًا كان طيب المَرَق، فصنع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء يدعوه، فقال : ((وهذه؟)) يعني عائشة، فقال الفارسي: لا، فقال رسول الله : ((وهذه؟)) فقال: لا، فقال رسول الله : ((لا))، ثم عاد الفارسي يدعوه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((وهذه؟)) فقال: نعم في الثالثة، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله. رواه مسلم. فانظر كيف فعل رسول الله ، وكيف أبى في هذا السياق أن يدعى وحده. وبلغ من إظهار الرسول لحبه لأزواجه - ولاسيما عائشة رضي الله عنها - أن تعالم الناس بذلك، عن عروة قال: كان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديّة يريد أن يهديها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرها حتى إذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله في بيت عائشة. رواه الشيخان. وعن عمرو بن غالب أن رجلاً نال من عائشة عند عمار بن ياسر فقال: اعزُب مقبوحًا منبوحا، أتؤذي حبيبة رسول الله؟! أرأيتم؟! فما لأحدنا اليوم يخجل من أن يظهر حبه لأهله ويستحيي من أن يعبر لزوجه عما يكنه لها من مودة ومحبة؟! لقد كان عليه الصلاة والسلام يدعو الزوج إلى أن يتلطف مع زوجه بالشكل الذي يشعرها بمحبته ومودته، حتى إنه دعا الزوج إلى أن يضع اللقمة بيده في فم زوجه تحببًا وتوددًا، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله : ((وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللٌّقمة التي ترفعها إلى في امرأتك)) رواه الشيخان. وإليك هذه الصورة الزوجية الرائعة: عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العظم فأتعرّقه - أي: آكل ما بقي فيه من اللحم وأمصه - ، ثم يأخذه فيديره حتى يضع فاه على موضع فمي. رواه مسلم. أيّ محبة وأي مودة وأي أجواء رائعة كان يضفيها عليه الصلاة والسلام على الحياة الأسرية؟! وكان عليه الصلاة والسلام يستشير أزواجه ويأخذ برأيهن فيما يعرض عليه من أمور، ومن ذلك ما فعله - صلى الله عليه وسلم - حين جاءه جبريل أول مرة، فرجع فزعًا إلى زوجه خديجة - رضي الله عنها -، وهو يقول: ((زمِّلوني زمِّلوني))، ثم أخبر خديجة بالخبر وقال: ((لقد خشيت على نفسي)) رواه الشيخان. فكلمتُه هذه كلمة المستنصح لخديجة الطالب رأيها في هذا الأمر العظيم الذي عرض له، وحين أشارت عليه بالذهاب إلى وَرَقَة قبل مشورتها واتبع نصحها - رضي الله عنها -. وكان عليه الصلاة والسلام يصحب زوجاته في السفر، كما صحّ في الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرًا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه البخاري ومسلم. أما بعد: وكان عليه الصلاة والسلام يدرك طبيعة المرأة وأن على الزوج احتمال بعض شغبها وأذاهاº لأنه هو القيم عليها، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يصبر على زوجاته، وكنّ أحيانا يرفعن أصواتهن فوق صوته ويراجعنه فيما يقرره من قرارات، وربما غاضبته الواحدة منهن فهجرته إلى الليل، فلا يهتاج عليه الصلاة والسلام، ولا يحتدّ، بل يقابل الأمر بسكينة ولطف. ولنستمع معًا إلى هاتين القصتين الطريفتين اللتين روى إحداهما عمر - رضي الله عنه - ورويت الأخرى عنه: : عن سعد بن أبي وقاص قال: استأذن عمر على رسول الله وعنده نسوة من قريش - يعني من أزواجه - يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله ، فدخل عمر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال النبي : ((عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتَدَرن الحجاب))، فقال عمر: فأنت أحق أن يَهَبن يا رسول الله، ثم قال عمر: أي عدوّات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟! فقلن: نعم أنت أفظٌّ وأغلظ. رواه البخاري ومسلم. القصة الثانية: عن عمر - رضي الله عنه - قال: والله، إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرًا، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم، فبينا أنا في أمر أتأمّره إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا! قال: فقلت لها: ما لك ولما ها هنا؟! وما تكلٌّفُك في أمر أريده؟! فقالت: عجبًا لك يا ابن الخطاب! ما تريد أن تُراجَع في أمر، وإن ابنتك لتراجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يظل يومه غضبان، وفي رواية عند البخاري: والله، إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنَه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل، فقام عمر فأخذ رداءه من مكانه حتى دخل على حفصة فقال لها: يا بنية، إنك لتراجعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يظل يومه غضبان؟! فقالت: والله إنا لنراجعه، فقلت: تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله ... قال عمر: ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها، فقالت أم سلمة: عجبًا لك يا ابن الخطاب، دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه! وفي رواية: والله، إنا لنكلمه فإن تحمّل ذلك فهو أولى به، وإن نهانا عنه كان أطوع عندنا منك. رواه البخاري ومسلم. وأعجب من كل ما سبق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أحيانًا هو الذي يسترضي زوجه إذا غضبت، ويعتذر لها. وسأحكي لهم هذه القصة الزوجية الطريفة: روى أبو داود (4999) بإسناد قوي عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع صوت عائشة عاليًا، فلما دخل تناولها ليلطمها وقال: ألا أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله ! فجعل النبي يحجِزُه - أي: منع أبا بكر من أن يزجر ابنته أو يضربها - ، وخرج أبو بكر مغضبًا، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يترضى عائشة ويقول: ((كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟!)) أي: ألا ترين أني منعت أباك من زجرك وعقوبتك؟! وكأنه يريد أن يقول لها: ألا يكفيك هذا شاهدا على محبتي لك؟! فإلام تظلين ساخطة؟! ثم إن أبا بكر استأذن مرة أخرى فوجدهما قد اصطلحا، فقال: أدخلاني في سِلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((قد فعلنا، قد فعلنا)). فتأمل وانظر وتفكر، ثم قس هذا بحال من يرى في اعتذاره لزوجه وإن كان مخطئًا هوانًا في النفس ونقصا في الرجولة. .
عرض المزيد