تحميل كتاب دراسة فى التجربة الصوفية pdf 1994م - 1443هـ الـتـصوف فـلسفـة ونـظـرة إلى الحـياة ورؤيـة للـوجـود . إنـه نـوع مـن الـتـعامـل مـع الحـقـائـق الـكـونـية بـشـكـل عـام ، ومع الـقـضـايا الإنـسـانـيـة بـشـكـل خـاص . فـعـلى الـمسـتـويـات الاقـتـصادية والـسيـاسـية والاجـتـماعـيـة والأخلاقـية… يـمـثـل الـتـصوف مـوقـفـا بـامتـيـاز . إنـه مـوقـف رافــض للـمـظاهـر الـسـلـبـيـة في كـل مـجـالات الـحـياة الـتي يـلامـسها . إنـه بـشـكـل أو بـآخـر سـعي إلى تـصحـيـح الأوضاع الـتي تـعـاني اعـوجـاجـا واضطـرابا . فـعـلى الـمـستـوى الـسيـاسي يـمـثـل الـتـصوف رفـضا لـكـل أشـكـال الـمـرض الـسيـاسي من تـنـازع عـلى الـسـلـطـة وتـعـال وظــلـم واستــبــداد ، إنـه سـعي إلى تــلـطــيـف أجــواء الـنــزوع الـسيـاسي نـحـو الاستـعـلاء وتـحـطـيـم الآخـر بـشـكـل مـن الأشـكـال سـواء مـنـها ما كـان مشـروعـا أو مـا كـان بـخـلاف ذلك . وعـلى الـمسـتـوى الأخـلاقي ، يـمـثـل الـتـصـوف تـصحـيـحـا للـسـلـوكـيـات الـمـرضـية الـقـائـمة عـلى حـب الـعـاجـلة دون الآجـلـة ، وتـكـريـسا لمـبـدأ الـعـدل والـتـوازن بـيـن الـقـيـم الـروحـيـة والـقـيـم الـمـاديـة . فــقـد اكـتـفى الـكـثـيـر مـن الـنـاس في الـعـصر الأمـوي الـذي ظـهـر فـيه الـتـصوف ـ على سـبـيـل الـمـثـال ـ بـالـسـعي إلى جـني أكــبـر قــدر مـمـكـن مـن الـمـال ، وتـحـقـيـق أكـبـر حـظ مـمـكـن مـن الـمـتـع واللـذائــذ الـدنـيـويـة الـمـادية ، ضـاربـيـن عـرض الـحـائـط بـالـقـيـم الـروحـيـة والإنـسانـيـة الـتي أتى بـهـا الإسـلام وســعى إلى تـرسـيخـها ، فـقـد تحـولـت حـيـاتـهم إلى حـيـاة فـارغـة من الـمـعـنى ومن الـروح ، حـياة تـعـتـبـر كـل شيء في الـمـال والجـاه . وكـل مـجـتـمع تـسـود فـيـه هذه الـقــيـم يـستـحـيـل أن تـتـحـقـق فـيه الـعـدالـة الاجـتـماعـية في تـوزيـع الخـيـرات بـشـكـل يـراعي حـق الـضعـيـف ونـصيب الـفـقـيـر ، وهـذا الـنـوع من الحـياة يـحـيا بـالـمـال ويـموت بمـوتـه وفـقـدانـه ، وتـصـيـر الحـيـاة بـعـد الـمـوت سعـيـا إلى نـيـل الـمـال أو إلى استـرجـاع مـا ضاع مـنـه أو أنـفـق بـشـتى الـطرق والـوسائـل ، المـشـروع مـنها والـمحـرم عـلى حـد سـواء . في هـذا السـيـاق يـأتي الـتـصوف لـيعـيـد الاعـتـبـار للـقـيم الـروحـية ، ولـيعـيـد الأمـور إلى نـصابـها . إن نـقـطـة قـوة الـتـصوف في هـذا الـمجـال لـيـست في محـاولـتـه إصلاح الـوضع بـقـدر ما تـكـمـن الـقـوة في طريـقـة معـالجـتـه لهـذه الأوضاع وطريـقـة تـعـامـلـه مع هذه الأمـراض . فـهـو يـستـعـيـن بـمـجـمـوعة طرق وسـلـوكـيـات نـوجـزهـا في الآتي : 1 ـ الـتجـربـة الـبـاطنـية : الـملاحـظ هـنا أنـنـا نـتـحـدث عن الـتـربـيـة لا الـتـعـلـيـم ، إذ في الـوقـت الـذي اكـتـفـت فـيه كـثـيـر مـن مـدارس الـتـربـيـة بـمـهـمة الـتـعـلـيـم ، وتـحـديـدا بالـتـلـقـيـن ، الـتـلـقـيـن للـمعـلـومات والــمعـارف الجاهـزة الـتي تـبـقى عـاجـزة عـن الارتـقـاء بـحـيـاة الـفـرد إلى مـعـانـقـة مـستـويات عـلـيا من الـنـضج والـتـجـربـة ، قـلـنا لـم تـكـتـف الـتجـربـة الـصوفـيـة بـالـتـعـلـيـم بـل كـان أول أو ربـمـا أهـم مـقـاصدهـا : الـبـعـد الـتـربـوي مـن خلال الـربـط بـيـن الـظـاهـر والـبـاطن في شـخـصـيـة الإنـسان ومـن خـلال جـهـاد الـنـفـس أو إصلاحـها ، فـفي حـيـن اكـتـفـت كـثــيـر من الـتجـارب الـتـربـويـة بـالـمستـوى السلـوكي من حـيـث الإصلاح الـذي يـركـز على سلـوكـيـات الـفـرد الـظاهـرة ، كـاحـتـرام الـوقـت والـنـظـافـة والـتـعـامـل مع الـمحـيـط الخـارجي ، فـإن الـتـصوف ركـز على الـمستـويـيـن مـعا من الـتـربـيـة : مـستـوى الـسـلـوك الـظاهــري ومـستــوى الـسـلـوك الـبـاطني أو مـا يـمكـن تـسمـيـتـه بـالـسـلـوك الـنـفـسي . فـاهـتـمـوا إلى جـانـب مـا تـمت الإشـارة إلـيـه بالأخـلاق الـنـفـسـية من حـسـد وحـقـد وتـواضع ومـحـبـة … وغـيـرهـا من الـسلـوكـيـات الـبـاطنـية الـتي يـصعـب عـلاج الـظاهـر دون عـلاجـهـا . 2 ـ الـتجـربة الغـيـرية : إذا كـان الـكـثـيـر مـن الـمـدارس يـكـتـفي فـي الـتـربـيـة بالتـلـقـين الـشـفـوي ، فـإن الـمنـهـج الصوفي يـمـيـل إلى اتـخـاذ سـبـيـلـيـن اثـنـيـن كـوسـيـلـة للـعـلاج والإصلاح ، فـإذا صح أن نـسمي الطريـقـة الأولى : الـتـربـيـة الـذاتـيـة ، فـإنـه يــصح تـسمـية الـتـربـية الصوفــية بالـتربـية الـغـيـرية أو الـتـربـية الـمـتـعـديـة في مـقـابـل الـتـربـية الـقـاصرة . إن الـفـرق بـيـن الـمنهجـيـن يـكـمـن بـالخـصوص في أن الـمنـهـج الـصوفي يـعـتـمد إصلاح الـنـفـس المـتـعـدي نـفـعـه إلى إصلاح الـغـيـر ، إذ إن أي سـلـوك إصلاحي لا يـتـوقـف فـيـه الـمربـي على إصلاح نـفـسـه أولا قـبـل إصلاح غـيـره ، هـو سـلـوك أو مـنـهـج قـلـما يـصـل إلى نـتـائـج مـهـمـة . 3 ـ الـتـجـربـة بـالـقـدوة : في الـوقـت الـذي يـحـاول فـيـه الـمربي فـي الـتـربـية الـعـادية أن يـلـقـن الـمـتـعـلـم سلـوكـيات معـيـنـة عـبـر الـتـلـقـيـن الـشـفــوي ، نـجـد الـصوفي يـرتـقي درجـة أعـلى وهي درجـة الـقـدوة . فـكـثـيـر مـن مـنـاهـج الـتـربـيـة ـ في نـظـرنـا ـ أخـطـأت في الـفـصـل بـيـن الـمـعـرفـة وبـيـن الـسـلـوك ، لأنـه إذا كـانـت الـطريـقـة الـتـلـقـيـنـية مجـديـة إلى حـد ما في الـمعـارف والمعـلـومات فـإنـها قـلـما تـنـفـع في نـقـل الـسلـوكـيات . إن الـسـلوكـيـات مـسـألـة أغـفـل الإشـارة إلـيـها كـثـيـر من الـمـربـيـن ، إن أنـسب طـريـقـة لـنـقـل الـسـلـوكـيـات هي الـقـدوة . فـإذا كــانـت الـتـجـارب الـتي يـمـر بهـا الـمـرء مـتـعـددة مـتــنـوعة : مـنـهـا الـمـعـارف ومـنـها الـسلـوكـيات ومـنـها الأحـاسـيـس … فـلـيـس من الـمنـطـقي ولا من الـمقـبـول أن تـنـقـل هـذه الـتـجـارب على تـنـوعـها بـآلـة واحـدة ووسـيـلـة واحـدة ، وإذا كـان هـذا أمرا مسلـما به ، فالأولى أن نـبـحـث عن وسـيـلـة أنـسـب لـكـل تـجـربـة ، أو لــنـقـل بـصـيـغـة أخـرى عن الـسـلـوك : إنـه تـجـربـة حـيـة وبـالـتـالي لا تـنـاسـبـها ولا تـنـفـع في نـقـلـها الـوسـيلـة اللـغـوية مـهـمـا بـلـغ اقـتـدار صاحـبـهـا عـلى الـبـلاغـة . إن أنـسـب طـريـقـة هي أن تـكـون أداة الـنـقـل مـن جـنـس الـمـنـقــول ، ولا أداة أنــسـب في هـذا الـسـيـاق مـن الـقـدوة ، وهـنـا نـستحـضـر قـول الـرسـول صلى الله عـلـيه وسـلـم : < صلـوا كـما رأيـتـمـونـي أصـلـي > . انطلاقـا مـمـا سـبـق نـشـيـر إلـى أن الـتـربـيـة الـصـوفـيـة هـي : 4 ـ تـجـربة مـعـيـشـة : الـمـربـي الصـوفـي حـيـنـمـا يـنـقـل للـمـريـد تـجـربـة فـإنـمـا يـنـقـل إلـيه تـجـربة عـايـشـهـا وعـانـاهـا وكـابـدهـا بـفـكـره وإحـسـاسـه وشـعـوره … بـاخـتـصار إنهـا بالـنـسبة إلـيه تجـربة مـعـيـشـة تـغـلـغـلـت في مـدارك الـمـريـد الـنـفـسـيـة والـروحـيـة والـعـقـلـيـة ، وتـغـلـغـلـت في ذاتـه وصـارت جـزءا مـن كـيـانـه . فـهـو عـوض أن يـلـقـنـه الـتجـربة ، يـجـعـلـه يـعـيـشـها ويـحـيـاها بـنـفـسـه ، الأمـر الـذي يـجـعـل أمـر الـتـلـقـيـن مـيـسـورا هـيـنـا ، لأن فـاقــد الـشيء لا يـعـطـيه كـمـا يـقـول الـمـثـل . يعتبر هذا الكتاب من أبرز الكتب التي تناقش الأفكار الصوفية وتوضحها بشكل متجرد وغير متحيز، ويبدأ الكتاب في الفصل الأول بمدخل هام إلى فكر ابن عربي، ويستعرض لنا مسألة وحدة الشهود ووحدة الوجود، ومعيار التمييز بين وحدة الوجود والحلول، ومصادر وحدة الوجود من الكتاب والسنة، وفي الفصل الثاني تتناول المؤلفة ظاهرة الشطح في التصوف الإسلامي، ويتكون من ثلاثة أقسام الأول بعنوان: بسطاميات، والثاني بعنوان: شبليات، والثالث بعنوان حلاجيات وكل قسم قُصد به استعراض الشطح عند كل شخصية، أبو يزيد البسطامي، أبو بكر الشبلي، والحلاج.أما الفصل الثالث فيتناول طبيعة التجربة الصوفية عند الغزالي، والفصل الرابع يناقش اللاهوت والناسوت عند الحلاج، ويختتم الكتاب بفصل هام بعنوان: الحلاج بين فناءين. الصوفية أو التصوف هو مذهب إسلامي، لكن وفق الرؤية الصوفية ليست مذهبًا، وإنما هو أحد أركان الدين الثلاثة (الإسلام، الإيمان، الإحسان)، فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم العقيدة بالإيمان، فإن التصوف اهتم بتحقيق مقام الإحسان، مقام التربية والسلوك، مقام تربية النفس والقلب وتطهيرهما من الرذائل وتحليتهما بالفضائل، الذي هو الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي الكامل بعد ركني الإسلام والإيمان، وقد جمعها حديث جبريل عليه السلام، وذكرها ابن عاشر في منظومته (المرشد المعين على الضروري من علوم الدين)، وحث أكثر على مقام الإحسان، لما له من عظيم القدر والشأن. قال العارف بالله، أحمد بن عجيبة: "مقام الإسلام يُعبّر عنه بالشريعة، ومقام الإيمان بالطريقة، ومقام الإحسان بالحقيقة. فالشريعة: تكليف الظواهر. والطريقة: تصفية الضمائر. والحقيقة: شهود الحق في تجليات المظاهر. فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده". وقال أيضاً: "مذهب الصوفية: أن العمل إذا كان حدّه الجوارح الظاهرة يُسمى مقام الإسلام، وإذا انتقل لتصفية البواطن بالرياضة والمجاهدة يُسمى مقام الإيمان، وإذا فتح على العبد بأسرار الحقيقة يُسمى مقام الإحسان .
عرض المزيد