تحميل كتاب أوضاع غير المسلمين في الدولة الإسلامية مقاربة تأصيلية pdf 2005م - 1443هـ النظر إلى حقوق غير المسلمين في مجتمع المسلمين لا يتحقّق إلا إذا استوعبنا أمـوراً عدة في البداية تتمثّل فيما يلي: • أن تقــرير الحقوق والواجبات في المفهوم الإسلامي مصدره اللّـه عز وجل؛ ذلك أن هـدف الرسالات السماوية – طبقاً للنص القرآني – هو أن يقوم الناس بالقسط. أي أن يتحقّق العدل الذي يعطي لكل ذي حق حقّه، وحين يصبح ميزان الحقّ والواجب نصوباً من قبل العدالة الإلهية؛ فإن ذلك يكسب الاثنين – الحق والواجب – عمقاً عقيدياً بحيث يطالب المـرء بحقّه في إصـرار ثبات ويجاهد لأجله؛ لأن ذلك الحقّ ليس منحة من أحد، ولكنه من أمـر اللّـه ينبغي ألا يـفرِّط فيه، وإلا كان من الظالمين لأنفسهم. وتقــــرير الحقوق من قبل اللّـه ليس معناه تخــــدير المشــاعر وتبــريـر الاستسلام والخضـوع والتواكل؛ لأنـه في واقع الأمـر يرفع مرتبة حقوق الإنسان بحيث يجعلها مستمدّة من العقيدة، ويجعل الإيمان حارسا عليها ودافعاً إلى الحفاظ عليها والنضال من أجلها. • إن نظـرة الإسلام لحقوق غير المسلمين جزء من نظرة أوسع وأشمل للـكون والحياة، وتنطلق الفكرة الإسلامية في هذا الصدّد من الإيمان بأن اللّـه سبحانه وتعالى هو خالق هذا الكون، وموجود في كل صغيرة وكبيرة فيه، هو خالق الناس والطير والحيوان والنبات وكل ذي روح فيه، فضلاً عن أنه خالق الجبال والأنهار ...الخ. وفي النصوص القرآنية أن كل تلك الكائنات تتعبّد للّـه، ولكن الناس لا يفقهون تسبيحهم ولأن الكائنات كلها من خلق اللّـه؛ ولذلك فإن لها حصانة وحرمة، وهي حصانة لا تظلل كائنا دون آخر، فضلا عن أنها ليست مقصورة على إنسان دون آخر. ولئـن كانت الخبـرة الإنسانية المعــاصرة قـد أعلـت من قيمــة حقوق الإنسان، ثـم عـاودت في طـور آخر فتحدّثت عن حقـوق الحيـوان، وأخيراً تعالـت أصـوات «الخضـر» داعـية إلى الدفاع عن الزروع والبيئة، فإن الإسلام منذ نزلت رسالته قبل أرعة عشر قرنا تحدّث عن حقوق الكائنات التي خلقها اللّـه جميعا سواء كانت إنسانا أم نباتا أم حيوانا ...الخ. • في هذا السياق يعتبر الإسلام أن الإنسان هو مخلوق اللّـه المختار، فقد خلقه اللّـه في أحسن تقويم - طبقاً لنص القرآن - وهو خليفة اللّـه في الأرض، المكلف بإعمارها وبإشاعة الخير والنماء فيها، ولأجل أن ينهض بمسئوليته تلك فإن اللّـه سخّر له كل الكائنات الأخرى لكي تكون في خدمته ورهن إشارته. وحين ذكـر القـرآن أن اللّـه سبحانه وتعالى كرّم بنـي آدم وأعلى من مرتبة الإنسان فوق كل المخلوقات، حتى طلب من المـلائكة أن يسجدوا لآدم عليه السلام ، حين وجه ذلك الخطاب فـإنه استهدف الإنسان لذاته لمجرد كــونه إنسانا، وقبل أن يصبح مسلما أو نصرانيا أو يهوديا أو بوذيا، وبصرف النظر عن لونه أو عرقه.([1]) ولـيس صحيحا أن الحـفاوة الـقرآنية بالإنسان مقصورة على المسلمين وحـــدهم كما يتصوّر البعض، والنصوص القرآنية شـديدة الوضوح في هذه النقطة بالذات، فهي تارة تتحدّث عن «الإنسان» وتارة تتحدّث عن «بني آدم»، ومرات أخرى توجّه الحديث إلى «الناس». وهذا التعميم لا تخفى دلالته على أي عقل منصف ومـدرك للغة الخطاب في القرآن الكريم، التي تستخدم موازين للتعبير غاية في الدقة، تحسب بها متى يكون الخطاب لـلإنسان وللناس بعامة، ومتى يوجّه الكلام للمؤمنين والمسلمين قبل غيرهم. ومن أهم ما قرأت في تبيان هذه النقطة، تلك الشهادة التي أوردها واحد من كبار علماء الأزهر. هو الدكتور محمد عبد اللّه درّاز- وقال فيها: «الكـرامة التي يقرِّرها الإسلام للشخصية الإنسانية ليست كرامة مفردة، ولكنها كرامة مثّلثة: كرامة هي عصمة وحماية، وكرامة هي عزة وسيادة، وكرامة هي استحقاق وجدارة ... كرامة يستغلها الإنسان من طبيعته ﴿ولقد كرّمنا بني آدم﴾ (الإسراء: 70)، وكرامـة تتغذّى من عقـيدته ﴿ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين﴾ (المنافقون: 8)، وكـرامة يستوجبها بعمله وسيرته ﴿ولكل درجات مما عملوا﴾ (الأحقاف: 19)، ﴿ويؤت كل ذي فضل فضله﴾ (هود: 3). وأوسع هذه الكـرامات وأعمّها وأدومها تلك الكـرامة الأولى التي ينالها الفرد منذ ولادته، بل منذ تكوينه جنينا في بطن أمه ... كرامة لم يؤدّ لها ثمنا ماديا ولا معنويا، ولكنّها منحة السماء فس=ي شـريعة فطــرته والتي جعلت كـرامته وإنسانيته صنــوين مقتــرنين في شريعة الإسلام. ما حقيقة تلك الكرامة؟ -تساءل ثم أجاب-إنها قبل كل شئ سياج من الصيانة والحصانة. هي ظلّ ظليل ينشره قانون الإسلام على كل فرد من البشر: ذكراً أو أنثى، أبيض أو أسود، ضعيفاً أو قوياً، فقيراً أو غنياً، من أي ملّة أو نحلة فرضت .. ظلّ ظليل بنشره قانون الإسلام على كل فرد يصون به دمه أن يسفك، وعرضه أن ينتهك، وماله أن يغتصب، ومسكنه أن يقتحم، ونسبه أن يبدل، ووطنه أن يخرج منه أو يزاحم عليه، وضميره أن يتحكّم فيه قسراً، تعطل حـريته خداعاً ومكراً. كل إنسان له في الإسلام قدسيه، إنه في حمى محمي وحـرم محرم، ولا يزال كذلك حتى يهتك هو حــــرمة نفسه، وينزع بيده هذا الستر المضروب عليه، بارتكاب جريمة ترفع عنه جانبا من تلك الحصانة. وهو بعد ذلك بريء حتى تثبت جريمته وهو بعد ثبوت جريمته لا يفقد حماية القانون كلها؛ لأن جنايته ستقدّر، ولأن عقوبته لن تجاوز حدها، فإن نزعت عنه الحجاب الذي مـزّقه هو، فلن تنزع عنه الحجب الأخرى. بهذه الكرامة يحمي الإسلام أعداءه كما يحمي أبناءه وأولياءه ... إنه يحمي أعداءه في حياتهم، ويحميهم بعد موتهم، يحميهم في حياتهم، فيحول دون قتالهم إلا إذا بدؤوا بالعدوان ويحميهم في ميدان القتال نفسه؛ إذ يؤمنهم من النهب والسلب والغدر والاغتيال. ثم يحميهم بعد مـوتهم؛ إذ يحـرّم أجسادهم على كل تشــويه أو تمثيل (بنص الحـديث الشريف).. ولـم لا؟ أليسوا أناسـى؟ فلهم إذا كرامة الإنسان ... هذه الكرامة التي كرّم اللّـه بها الإنسانية في كل فرد من أفرادها، وهي الأساس الذي تقوم عليه العلاقات بين بني آدم.([2]) يتناول في الفصل الأول ضمان الحرية الدينية والخصوصية الثقافية لغير المسلمين وفيه ثلاثة مباحث : والفصل الثاني في الحقوق المدنية والعدلية، وفي مبحثان، والفصل الثالث في المشاركة في الحياة العامة، وفيه ثلاثة مباحث، والفصل الرابع من الكتاب عن العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغيرهم، وفيه 6 مباحث هامة، وأما الفصل الخامس من الكتاب فعن العلاقات الخارجية وفيه مبحثان. .
عرض المزيد