تحميل كتاب لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب pdf 2015م - 1443هـ ما زالت الأحداث والوقائع التي يشهدها العالم العربي منذ عام 2011، تتفاعل وتنتقل من طور إلى آخر، ولن تشهد إستقرارا قبل أن يتغير العالم العربي تغييرا جذريا يضعه على طريق الحداثة والاندماج في العالم المعاصر. وما شهدناه من انتفاضات وصراعات داخلية وتدخلات خارجية، إنما أتى في أعقاب ثبات متماد لأنظمة أحادية، فما حدث ويحدث إنما يكشف عن فوات تاريخي وعجز عن تحقيق ما أنجزته دول في الجوار، أو دول كانت أقل نموا وحداثة مما كانت عليه مصر وسوريا في النصف الأول من القرن العشرين. إن ما يحدث من تغيير، والذي سيكون سمة السنوات المقبلة، يدفعنا إلى المقارنة مع ما كان قد جرى قبل حوال القرن من الزمن، في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حين شهد العالم العربي تغيير جذريا تمثل بقيام ثورات وارتسام حدود وقيام دول وصياغة دساتير. عرفت بلدان مصر وسوريا والعراق ولبنان بداية حقبة ليبرالية ظهرت خلالها برلمانات وأحزاب وصحافة وجمعيات ونقابات، ونمو طبقة وسطى وملامح صناعة وطنية، في نفس الوقت الذي كانت تسعى بلدان عربية أخرى إلى التحرر، وبناء الاستقلال كما حدث في بلدان المغرب العربي. كل ذلك في ظل عروبة تتكرس في الأدب والشعر وكتابة التاريخ، كما تتكرس في نمو الشعور الوطني والمواطنة، وخلال هذه الحقبة التي امتدت حتى أواسط القرن العشرين، شهدنا إسلاما متسامحا ومنفتحا ترافق مع دعوات إلى تحرير المرأة، وتحرير الإيمان الفردي من ثقل التقالي..... جاءت انتفاضات عام 2011 بعد عقود من تسلط واستبداد أنظمة أحادية على اختلاف أشكالها ومذاهبها وعصبياتها. نزل الشباب إلى الميادين ونزلت المرأة ونزل أبناء كافة الطبقات مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة، إلا أن الجموع في الميادين افتقرت إلى التنظيم والقيادات والأفكار والبرامج. أظهرت هذه الانتفاضات مدى الخراب الذي خلفته عقود التسلط. فلم يبق من الدولة ومؤسساتها التي احتلتها سلطات الاستبداد سوى هياكل فارغة من القانون والنظام، وأظهرت مدى شغور المجتمع من أحزابه ونقاباته وقواه الفاعلة وأدوات تعبيره. وأدى هذا الشغور إلى بروز العصبيات الأولية من عشائرية ومذهبية لتتصارع على هيكل الدولة. هذا ما حدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن، فلم نر سوى أصوليات وعشائر ومذاهب تريد أن تحتل جزءا من الأرض وتقبض على جزء من حطام الدولة. وقد سهل انهيار الدول التدخلات الأجنبية، كما سهلتها الولاءات الدينية والمذهبية العابرة للحدود والأوطان. إن ما يجري في العالم العربي هو نتيجة مباشرة لانقطاع مسار التحديث، والإخفاق في إنتاج خطاب عقلاني معاصر يتصدى للأنظمة الأحادية. يجدر في كل تصور للمستقبل أن نعيد الاعتبار للعروبة على ضوء موقعنا من العالم. ليست العروبة الإندماجية التي مهدت للأنظمة الأحادية، وإنما عروبة تعترف بالتنوع والأقليات والأديان والمذاهب، وتقر بالوطنيات، وتقيم اتحادا مبني على أسس الاقتصاد والتنمية والثقافة والاندماج في العالم. أن ما آلت إليه الثورات من صراعات داخلية وتدخلات خارجية، وما أصابها من تعثر، إنما يعزى إلى غياب الأفكار. فلا يمكن أن نصنع تغييرا دون أن تكون لنا رؤية متسقة مع متطلبات الانخراط في العالم المعاصر. .
عرض المزيد