تحميل كتاب دراسة في السيرة النبوية المحمدية 23عاما pdf ما كان للدين بمعناه الحقيقي أن يضرب بجذرٍ راسخٍ بين عرب البادية أو الأعراب في أي يوم من الأيام، وهم اليوم لا يزالون أقل الاهتمام بالشؤون الروحية وما وراء الطبيعة، ففي الأرض القاحلة التي عاش فيها هؤلاء كانوا فقراء دون أيّة مؤسسات اجتماعية مستقرّة سوى بضعة عادات ورسوم. أمّا من حيث المزاج فكانوا متقلبين سريعي التأثر، لا يلبث بيتٌ من الشعر أن يستثير فيهم النشوة أو الغضب؛ وكانوا مكتفين بذواتهم مختالين، يتوقون دوماً إلى التفاخر بصفاتهم، بما في ذلك من نقاط ضعفهم بل وجرائمهم وخشونتهم؛ وكانوا من الجهالة حدّ الوقوع فريسة سهلة للوهم والخرافة، مهيّئين لرؤية شيطان يترصّد خلف كل صخرة أو شجرة. وقد حالت قحولة أرضهم بينهم وبين الزراعة التي كانت أساس الحضارة الإنسانية، وبحسب واحد من أقوالهم المأثورة فإنّ ذيل البقرة رمز الخزي وذيل الحصان جبهة المجد والسؤدد، وقد تمثّل هدفهم الوحيد في الحياة في تلبية حاجاتهم المادية المباشرة، وتمثل السبب الوحيد لتضرّعهم إلى الأصنام في الرغبة في مدّها لهم يد العون وهم يسعون وراء ذلك الهدف، وكان العدوان أمراً عادياً ومقبولاً، شريطة ألاّ يكون الطرف الآخر حسن العدّة والعتاد ومهيئاً للدفاع عن نفسه، وغالباً ما كان فعل من أفعال العنف يُمَجّد ويُجْعَل موضوعاً لقصيدة بطولية.
عرض المزيد