تحميل رواية كاهن الجان pdf على الرغم من سِعة دراستي في الطب والجراحة، إلا أنني لم امارس أيًّا منهما عمليًّا. لم تنخرط أصابعي والمشرط الفضي الحاد بينها في شق لحم مريض، أو تصفية الدمامل الصفراء اللزجة من القيح. تُراجعي عن الانخراط العملي في مهنتي لم يكن – أبدًا – كسلًا مني، أو تخاذلًا. لا، لا لم أكن لأتهاون في أداء مهمة بنبل الطب. إلا أنني – للأسف – كنت عاجزًا بيدي بعد حادث عبثي مع سكين جراحة تسبَّب في ضرورة بتر إصبعين من أصابع يدي فورًا.فقدان إصبعي، وعدم القدرة على ممارسة المهنة التي أحب عمليًا، أفقداني التوازن النفسي أيضًا، ومعه بدأت صحتي بالتدهور حتى ما عدتُ قادرًا على البقاء في المكان ذاته لأكثر من اثني عشر شهرًا. عزائي الوحيد كان تلك الكتب التي عكفتُ على قراءتها والأحداث التي ألقاها القدرُ في طريقي كتعويض عما فقدت أسفل سن سكين الجراحة.أثناء سنوات تجوالي القسري قابلته للمرة الأولى؛ د. مارتن هاسيلياس. طبيب عاشق لمهنته مثلي، كثير التجوُّل مثلي، لكن – على عكسي في هذه النقطة – كان تجواله بكامل إرادته الحرة، لا هربًا من اكتئاب؛ بخلافي أيضًا لم يكن الطبيب ثريًا، أو ثريًا بالمعنى الذي اتفق عليه آباؤنا هنا في إنجلترا، ماذا كان المصطلح المستخدم؟، نعم “وليد الظروف الملائمة”.. المصطلح الذي أطلقه أفراد الطبقة الاجتماعية فوق المتوسطة على مرتادي النوادي والاجتماعات الموسمية، لقاءات الشاي والسيجار حول البيانو الأسود ذي الشرشف الدانتيل الأبيض.<br>كان ذكيًا، أكبر وأكثر خبرة منِّي بنحو خمسة وثلاثين عامًا. لذا ارتقى بسهولة من خانة المعرفة إلى خانة الاحترام والتقدير وسرعان ما أصبحت أتطلع إليه بنظرة التلميذ للمعلم. الطبيب كان واسع المعرفة، شديد الإطلاع، جمع بين ما تعلَّمه وما استمر في كسبه من معرفة لاحقًا وبين حدسه؛ لذا كان مصيبًا في أغلب الأوقات. تعلقي بمعلمي استمر في الازدياد والرباط بيننا زاد قوة، تلك القوة تحملت عشرين عامًا ولم تنقطع حتى بعد وفاته.بقيت تلميذًا تحت إشراف د. هاسيلياس لعشرين عامًا، كطبيب، مستشار، ومدير لأعماله. وضع تحت رعايتي كامل ملفاته وكتبه لأرتبها بمعرفتي، أذيِّلها بملاحظاتي أو أتركها كما هي إن لم يكن هناك حاجة لتدخُّلي.كانت لدى د. هاسيلياس طريقة مميزة في التعامل مع ملفات المرضى أو الحالات التي تمر عليه، يقسمها إلى فئتين؛ الأولى تلك الحالات التي يلتقيها بالنهار في عيادته أو في زياراته الخاصة، والثانية تلك التي يراها ليلًا حين ينطلق إلى الأكاديمية أو المجتمعات البحثية. أغلب الحالات الليلية كانوا موتى. لكنه لم يفرِّق بينهم وبين أحياء النهار، لم يفضل التركيز على فئة على حساب الأخرى. في نهاية كل فئة كان يجمع كافة ملاحظاته وأفكاره ثم الاستنتاجات والرسوم التوضيحية يضعها في آخر الملف.
عرض المزيد