تحميل كتاب المقدمة العثيمينية في أصول الفقه pdf 2018م - 1443هـ نبذه عن الكتاب: الخلاف في تحديد معاني المصطلحات -والتي منها أصول الفقه– غالبًا ما يترتب عليه نوع من الإشكالات والتعارض الظاهري بين الآراء، وعند تحرير محل النزاع يتضح أن الخلاف لفظي منفك الجهة، وهذا هو الحاصل في مسألة قطعية أصول الفقه. والقطعية مصدر صناعي من القطع، وهو يأتي في اللغة: بمعنى الجزم والبَتِّ والفصل والإبانة. يقول الجوهري في الصحاح: [وقُطِعَ بفلان فهو مَقْطوعٌ به. وانْقُطِعَ به فهو مُنْقَطَعٌ به: إذا عجز عن سفره من نفقةٍ ذهبت، أو قامت عليه راحلته، أو أتاه أمر لا يقدر على أن يتحرَّك معه]. (الصحاح في اللغة 2/85). ثم يقول: [وأقْطَعَ الرَّجلُ: إذا انْقَطَعَتْ حُجَّته وبكَّتوه بالحق فلم يُجب]. قال الفيروزآبادي في (القاموس المحيط 2/313): [قَطَعَهُ.... بِالحُجَّةِ: بَكَّتَهُ] أي غلبه وأفحمه فلم يجب. (انظر: الصحاح 1/50، وتاج العروس 1/5477). وبهذا يتبين أن الدليل القطعي أو القاطع أو المقطوع به هو الدليل اليقيني الذي يفيد العلم، ولا يُقدَر على رده أو نقضه أو الجواب عنه، وليس من السائغ جريان الخلاف فيه، فالدليل القاطع يفصل بين الحق والباطل. أما الظنية فمصدر صناعي من الظنِّ، ومعناه في اللغة كما قال الزبيدي: [التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم... وقال المناوي: الظن: الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض، ويستعمل في اليقين والشك، وقال الراغب: الظن: اسم لما يحصل من أمارة ومتى قويت أدت إلى العلم ومتى ضعفت لم تجاوز حد الوهم]. (تاج العروس 1/8102). وبهذا يتضح أن الدليل الظني يفيد ترجيح أحد الاحتمالات بغالب الظن لكن مع جواز الخطأ في هذا الترجيح، فيستساغ معه النظر والاجتهاد وجريان الخلاف في الاعتداد به بلا نكير. وقواعد أصول الفقه المدونة في كتب العلماء منها ما هو قطعي متفق عليه كحجية القرآن الكريم والسنة المتواترة، ومنها ما هو ظني مختلف فيه بين العلماء كحجية عمل أهل المدينة والمصالح المرسلة وسد الذرائع وشرع من قبلنا، وغير ذلك من الأدلة، فمن هذه الحيثية لا يمكن القول بأن جميع قواعد أصول الفقه قطعية بل يقال: بعضها قطعي وبعضها ظني، ولذلك فإن بعض الفروع الفقهية قطعي لا يجوز الخلاف فيه، وبعضها ظني يتسع أمره لتعدد الآراء بلا نكير. أما لو نظرنا من حيثية أخرى فسوف نجد أنه قد وردت عبارات عن بعض العلماء تؤيد القول بقطعية جميع أصول الفقه، حتى وإن اختلف فيها العلماء؛ لأنه سيكون من تفاوت إدراكهم لحقيقة ثابتة في نفس الأمر، فبعضهم يدركها من طريق قوي فيقطع بها، وبعضهم يدركها من طريق ضعيف فلا تتجاوز عنده مرتبة الظن. ومن سلك هذا المسلك من العلماء قصد أن القواعد الأصولية في حقيقة الأمر قطعية، أما علمنا بها فقد يتفاوت لقصور البحث ونقص الاستقراء، فمن واصل البحث وأتم الاستقراء توصل إلى القطع بقواعد الأصول. يقول الإمام القرافي في (نفائس الأصول 1/147، ط. نزار مصطفى الباز): [قواعد أصول الفقه كلها قطعية غير أن القطع لا يحصل بمجرد الاستدلال ببعض الظواهر، بل بكثرة الاستقراء لموارد الأدلة، ومن كثرت مطالعته لأقضية الصحابة رضوان الله عليهم، واستقراؤه لنصوص الكتاب والسنة، حصل له القطع.... من أراد القطع بقواعد أصول الفقه من الإجماع والقياس وغيرهما فليتوجه للاستقراء التام في أقضية الصحابة ومناظراتهم وأجوبتهم وفتاويهم، ويكثر من الاطلاع على نصوص الكتاب والسنة، فيحصل له من جميع ذلك ومن القرائن الحالية والسياقات اللفظية القطع بهذه القواعد، والغفلة عن هذا المدرك هو الموجب لقول من قال: الإجماع ظني، لأنه لم يطلع إلا على نصوص يسيرة في بعض الكتب، فلا يجد في نفسه غير الظن، فيقول: سخاء حاتم مظنون، مع أنه في نفس الأمر مقطوع به عند غيره ممن كمل استقراؤه. هذه قاعدة جليلة شريفة ينبغي أن يتفطن لها، فإنها أصل كبير من أصول الإسلام وهي سر قول العلماء: إن قواعد الدين قطعية، وعدم العلم بها هو سبب المخالفة في ذلك، ومثال الفريقين كفريقين تواتر عند أحدهما قضية لم تتواتر عند الآخر فأفتى كل واحد منهما على مدركه من الظن والقطع، وقد تكون الرسالة المحمدية لم تبلغ لبعض الناس، وقد تبلغ بأخبار الآحاد، ولا يقدح ذلك في أنها قد قطع بها في نفس الأمر]. .
عرض المزيد