كتاب اتخاذ القرآن الكريم أساسًا لشؤون الحياة والحكم في المملكة العربية السعودية
الكاتب صالح بن غانم السدلان
تحميل كتاب اتخاذ القرآن الكريم أساسًا لشؤون الحياة والحكم في المملكة العربية السعودية pdf هذا الكتاب العظيم لم يحظ كتاب على مدار التاريخ منذ أن عرف الإنسان القراءة والكتابة، ومنذ أن بدأ يهتم بتراثه وتاريخه، كما حظي القران الكريم، فلقد تركزت العناية به وبسُوَرِه، وترتيبها، وآياتها بألفاظها وحروفها، وقراءاته بوجوهها وأنواعها، وبرسمه الخاص به، ونقطه، وأجزائه وأعشاره وأحزابه وتجويده، وحفظه وتدبره، وطباعته ونشره. كما حبب الله إلى أهل الإسلام تلاوته وحثهم على قراءته وقراءة ما تيسر منه فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ … ) المزمل:20) . كما أمرهم بالإنصات حين تلاوته : وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ.. (الأعراف:204) . في خصائص ومزايا ليست في كتاب غيره على وجه الدنيا. كتاب عظيم ما زال سابقاً للزمان والعصر وسيظل متقدماً على البيئات والمجتمعات، وسيبقى يتحدى كل العقول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. قال تعالى في وصف كتابه الكريم : وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ ٤١ لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ ٤٢(فصلت: 41، 42) . وقال تعالى : وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ( النساء: 82) هو الكتاب المجيد، كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة ، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر. لا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه. فلا جرم، لزم من رام الاطلاع على كليات الشريعة الغراء، وطمع في إدراك مقاصدها واللحاق بأهلها النجباء، أن يتخذه سميره وأنيسه، ويجعله على المدى، نظراً وعملاً، جليسه. فيوشك أن يفوز بالبغية، ويظفر بالطلبة، ويجد نفسه من السابقين، وفي الرعيل الأول المهتدين، ويشرق في قلبه نور الإيمان، وتطلع في بصيرته شمس العرفان، ويتبوأ في الدنيا والآخرة مكاناً عليا. كتاب الله المبين، الفارق بين الشك واليقين، الذي أعجزت الفصحاءَ معارضتُه، وأعيت الألباءَ منا قضته، وأخرست البلغاءَ مشاكلتُه، فلا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. جعل أمثاله عبراً لمن تدبرها، وأوامره هدًى لمن استبصرها، وشرح فيه واجبات الأحكام، وفرق فيه بين الحلال والحرام، كرر فيه المواعظ والقصص للأفهام، ضرب فيه الأمثال، وقص فيه غيب الأخبار، فقال تعالى : مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ … (الأنعام: 38) . خاطب فيه أولياءه ففهموا، وبين لهم فيه مراده فعلموا. فقراء القرآن حملة سر الله المكنون، وحفظة علمه المخزون، وخلفاء أنبيائه وأمناؤه، وهم أهله وخاصته وخيرته وأصفياؤه، قال رسول الله : " إن لله أهلين منَّا. قالوا : يا رسول الله من هم ؟ قال : هم أهل القرآن أهل الله وخاصته "( ) فما أحقَّ من علم كتاب الله أن يزدجر بنواهيه، ويتذكر ما شُرح له فيه، ويخشى الله ويتقيه، ويراقبه ويستحييه. فإنه قد حُمِّلَ أعباء الرسل، وصار شهيداً في القيامة على من خالف من أهل الملل، قال الله تعالى : وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ … ( البقرة: 143). ألا وإن الحُجَّةَ على من علمه فأغفله، أَوْكَدُ منها على من قصر عنه وجهله. ومن أوتي القرآن فلم ينتفع، وزجرته نواهيه فلم يرتدع، وارتكب من المآثم قبيحاً، ومن الجرائم فضوحاً، كان القرآن حجة عليه، وخصماً لديه، قال رسول الله " القرآن حجة لك أو عليك "( ). فالواجب على من خصه الله بحفظ كتابه أن يتلوه حق تلاوته، ويتدبر حقائق عبارته، ويتفهم عجائبه، ويتبين غرائبه. قال الله تعالى : كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ ( ص: 29). وقال تعالى : أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ ٢٤ (محمد : 24). جعلنا الله ممن يرعاه حق رعايته، ويتدبره حق تدبره، ويقوم بقسطه، ويوفي بشرطه، ولا يلتمس الهدى في غيره، وهدانا لأعلامه الظاهرة وأحكامه القاطعة الباهرة، وجمع لنا به خير الدنيا والآخرة، إنه أهل التقوى وأهل المغفرة. القرآن الكريم ينبوع كل خير…ومصدر كل علم …وأصل كل نعمة اختار الله له شهر رمضان ميقاتاً …وكان نزوله فيه فيض رحمة …وبدء رسالة …وشاهد اصطفاء رسول خاتم الأنبياء والرسل …وبداية أمة هي خير أمة أخرجت للناس …فأنار الله به للذين التزموه الطريق، وتداركهم بلطفه من فناء كاد يأخذهم من شتى نواحيهم …ومنحهم به أينما اتجهوا كـل صواب وتوفيق …فلا تكاد كل قضية من قضايا الحياة إلا وضح القرآن غياهبها …وكشف أسرارها. وأبرز غامضها …وأجلى جوانبها …وبين أهدافها …وهو صالح لكل زمان ومكان بقدر ما يعطيه المسلمون من عناية واعتبار …بعد أن أسعد الذين ناجوا ربهم بكلامه …وجعلوا قلوبهم أوعية له …ورطبوا ألسنتهم ما استطاعوا، تلاوته …وأرهفوا أسماعهم لهدايته …فلا ينصرفون عنه لسواه …ولا يرتضون به بديلاً، ولا يبغون عن أوامره ونواهيه حولا. ويعالج القرآن المشكلات الإنسانية في شتى مرافق الحياة، النفسية والعقلية والبدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية علاجاً حكيماً، لأنه تنـزيل الحكيم الحميد، يضع لكل مشكلة بلسمها الشافي في أسس عامة، تترسم الإنسانية خطاها، وتبني عليها في كل عصر ما يلائمها، فاكتسب بذلك صلاحيته لكل زمان ومكان، فهو دين الخلود، نظام شامل، يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دولة ووطن، وحكومة وأمة، وهو خُلق وقوة، ورحمة وعدالة ،وهو ثقافة ونظام، وعلم وقضاء، وهو مادة وثروة، وكسب وغنى، وهو جهاد ودعوة، كما هو عقيدة صادقة، وعبادة صحيحة. إن القرآن الكريم قد حسم الحكم في قضية التشريع، ولم يجعل مكانا للمماحكة في هذا الحكم الجازم ولا لمحاولة التهرب والتحايل والتحريف؛ فشريعة الله هي التي يجب أن تُحكَّم في هذه الأرض، وهي التي يجب أن يتحاكم إليها الناس، وهي التي يجب أن يقضي بها الأنبياء ومِنْ بعدهم الحكام، وهذا هو مفرق الطرق بين الإيمان والكفر، وبين الشرع والهدى، فلا توسُّط في هذا الأمر ولا هدنة ولا صلح، فالمؤمنون هم الذين يحكمون بما أنزل الله، لا يُحَرِّفون منه حرفًا، ولا يبدلون منه شيئا، والكافرون والظالمون والفاسقون هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله لأنه إما أن يكون الحكام قائمين على شريعة الله كاملة فهم في نطاق الإيمان، وإما أن يكونوا قائمين على شريعة أخرى ممَّا لم يأذن به الله فهم الكافرون والظالمون والفاسقون، والناس كل الناس إما أن يقبلوا حكم الله وقضاءه في أمورهم فهم المؤمنون، وإلا فما هم بمؤمنين ولا وسط بين هذا الطريق وذاك، ولا حجة ولا معذرة. .
عرض المزيد