تحميل رواية أطراس الكلام pdf يتخذ طول المسافة بين بغداد المحاصرة، وبين الوجهة التي يقصدها بطل الرواية ومن معه من الركّاب الهامشيين، أبعاداً قصصية وتداعيات وأفكاراً، فيتحول فضاءها إلى مجموعة من المشاهد والصور والأشكال المتأتية من عوالم مختلفة ومن الماضي الذي يكتشف الراوي سطوته قائلاً: "شدّ ما كنت مخطئاً، فها إنذاً أكتشف أن الماضي لن يموت بتلك البساطة التي تصورتها، وأن الأوجاع القديمة تظل تنبض في موضع ما من الروح..". فإن غادر المرء واقعه وأرضه وماضيه هارباً، يكون في واقع الأمر هارباً من نفسه التي وإن عاد قد لا يتمكن من إيجادها.
مجموعة من الشخصيات تدور في فلك الرواية، وتمتلك جميعها صفات محددة ومدروسة بحيث يسهل مقاربتها مع رموزها الفكرية الواضحة. فمن بطل الرواية المقاوم الواقعي ذو الماضي العنيد والذي يغيب عن أرضه منهزماً، ثم يعود إليها تائباً ومنتصراً، إلى "رؤى الرومانسية" التي ثبتت في موقعها ومكانها، لتستمر في الوفاء لحبها الوحيد، وتصبح طبيبة تساعد وتساند أبناء شعبها، إلى "أسماء" الفتاة البرجوازية والتي كانت له معها علاقة ملتبسة "كان لا بد لها من أن تصل يوماً ما إلى ختام"، وذلك للأسباب التي أوضحها له صديقه: "إنه صراع الطبقات يا رفيقي، أنت تحاول الانسلاخ عن منبتك الفلاحي المتواضع.. وهي تحاول التوفيق بين غرامها ووضعها البرجوازي..".
لا ذكريات القرية وحنينه لجدّه الذي دربّه على ركوب الخيل والذي أثّر في تكوينه من خلال تفانيه ومحبته ورعايته لأرضه، ولا وجه "رؤى" حبيبته، أفلحا في مده بشجاعة البقاء، فيعترف "أنني لم أكد أجابه بأول معضلة اعترضت سبيلي حتى سارعت بالهرب تاركاً مدينتي إلى الأبد!.."، و"تاركاً إياها وحيدة عزلاء تجابه مصيرها دون معين".
بأسلوب فني خاص ورؤية تحليلية ذات خلفية ثقافية متنوعة بين شرق وغرب، يمضي الراوي العراقي في سرده وفي تداعياته المتنوعة المصادر والأبعاد، ليقدم رواية متميزة في غرابتها وواقعيتها، عن شخصيات مضطربة في زمن مضطرب.