تحميل رواية أفراح القبة pdf " نجيب" لم يقم بشئ هنا سوى أنه كان يسدد لنا الصفعة تلو الصفعة، يصدمنا بالحقائق التي تتسرب على مهل دون تسرُّع ، ثمّة خيط رفيع جدًا بين الحقيقة والزيف، يندر من يستطيع أن يمسك بهذا الخيط ، لكن نجيب كان قادرًا على أن يمسك به،بل إنه تلاعب عليه كثيرًا وتحته كان قلب القارئ يخفق ويضطرب مثل وعاءعلى النار يتخبط ويرتعش بفعل النار المحتدمة بداخله ، وهو فوق الحبل لا يفعل شئ دون أن يوجه لنا بين كل حين وآخر صدمة جديدةً بأنه بالفعل مدرك جيدًا لما يفعل، ويسخرمن رد الفعل بعد كل صدمة ، ويهزأ من القرارات السريعة التي أخذناها في حكمنا على الأشخاص ، ليطوح بكل تلك التصورات ، ويعري كل الحقائق ليعيد بنائها من جديد بالطريقة التي يريدها دون أن تعترض أو تحتج .
" طارق رمضان "، " كرم يونس " ، حليمة الكبش" ، " عباس كرم يونس" ، هم الشخصيات الرئيسية لتلك المسرحية وهم الخيوط الأساسية للحكاية،وكل ما حولهم هم من كماليات المشهد ليس أكثر، لأنه انشغل أكثر بتلك الخطوط الأربعة لأنها تقريبًا هي أكثر الشخصيات حملت عواطف متناقضة للأخرى، وهذا بدروه سيعلي من حدة الصراع، وسيجعلك متلهفًا في أن تعرف من المنتصر الذي تكون الحقيقة عنده ، وهذا ما أخره عليك " نجيب " كثيرًا، ليجعلك تصدر كل أحكامك لينزعها منك جملة ويضعك في مواجهة الحقيقة الأخيرة العارية من كل زيف . ف " طارق" لا يحب عباس وكذا عباس أيضًا ، وكرم لا يحب زوجته حليمة وهي الأخرى تحمل له من الكره والبغض ما يزيد، وعباس لا يضمر حبًّا ولا كرهًا لوالديه، تفاجئك مقولة عباس لحليمة في الزمان الأول: ما أسعد من لا يضيع خفقان قلبه في العدم . وبالتالي عندما تنظر إلى تلك المشاعر المتناقضة التي تكمن تحتها رواسب من الأنين والحزن يتأكد لك حتمًا سر شقاء الجميع .
" عباس" لم يستطع أن يواجه الجميع وينقل لهم ما يحمله تجاههم إلا بالمسرح ، أبى إلا أن ينتقل من مقاعد المتفرجين إلى مسرح الحياة كي يلعب دوره المنشود، لن يظل إلى الأبد جالسًا في عتمة الظلام كي يرى الأشياء غير واضحة ولن يصبح أسير السطح والكتاب والبيت القديم بلونه الباهت ورائحته العطنة، يأبى أن يستسلم لمحاولات تأييسه في كل مرة يقدم للهلالي أو فؤاد شلبي مسرحية جديدة ،ينقل له خبرته البسيطة التي لم تُغمس بدم الحياة بعد بأن الروح لابد وأن تنتصر على المادة وأن الموت هو الانتصار النهائي للروح ، لم يقنعه رد فؤاد شلبي بانه ما زال أمامه الكثير، اعتبر كلامه سخفًا ،تصارعت الأسئلة إلى رأسه تريد جوابًا ، هل حقًا ما زال أمامه الكثير ، لعل فؤاد شلبي لا يدري بما يحدث في غرفة البيت القديم، وغاب عنه جهاد النفس في معركة المراهقة والنزاع الذي لا يهدا بين الشهوات والسمو، بين تحية العابثة وطيفها الزائر للخيال ، لابد للحقائق وأن تخرج إلى النور مسربلة بمأساته التي أخفاها كثيرًا في طيات قلبه.