تحميل كتاب إشكالية تأسيس الدزاين في أنطولوجيا مارتن هيدغر pdf نبذة عن الكتاب
حاولنا البحثَ في إشكالية تأسيس الدزاين في أنطولوجيا مارتن هيدغر من خلال العناصر المنهجية التالية:
بداء نحاول في الفصل الأول من هذا البحث الكشف عن الأساس الأنطولوجي للدزاين ضمن "الأنطولوجيا الأساسية" في "الكينونة والزمان"، أي البحث في البنيات الأنطولوجية الأساسية لوجود الدزاين. لكن كيف يمكنُ أن نفهم وجود الدزاين ضمن البنيات الأنطولوجية التي تشكل أساس وجوده (العالم، الفهم، العدم، القلق، الخوف الموت، الزمان، الكلام،...)؟ وكيف تشكل هذه البنيات ضّربَ الوجود الأصيل للدزاين؟ نحاول هنا التفكير مع هيدغر في الأساس اللامفكر فيه في تاريخ الميتافيزيقا باعتباره كينونة وجود الدزاين ذاته، كما نسعى إلى فتح أفق التفكير مع هيدغر في ما يعنيه الأساس الأنطولوجي ضمن ضّرب الوجود الغير أصيل للدزاين مع الدزاين الأخرين في العالم؟ من خلال سبر غور وجود الدزاين في ظاهرة (الفضول والالتباس والثرثرة)، أي توضيح خاصية الوجود الساقط والغير أصيل للدزاين وعلاقته بضّرب الوجود الأصيل. إن السؤال الهادي هنا هو كيف يمكن سبر غور وجود الدزاين انطلاقا من هذه البنيات الأنطولوجية الأساسية؟ وكيف تشكل هذه البنيات الأنطولوجية أساسا لكينونة الدزاين ذاته؟
وفي نهاية الفصل تساءلنا عن ما يعينه الزمان كأفق لبنيات وجود الدزاين الأساسية، من منطلق البحث في الزمانية بما هي أساس أنطولوجي أصيل لكينونة وجود الدزاين في العالم؟ كما تم توضيح ما يعنيه هيدغر من وراء فهم مشكلة تزمن الزمانية بداء من تزمن الدزاين؟ وما يعنيه كذلك انتقال تفكير هيدغر في نهاية "الكينونة والزمان"1927 من (مسألة الزمانية) إلى (معنى الكينونة)، من خلال البحث عن السبب الكامن وراء انتقال البحث من (زمانية الدزاين) بقدر ما هي الأساس الأنطولوجي لوجود الدزاين إلى (تأويل الكينونة)؟ وعلاقة كل هذا بعدم اكتمال الجزء الثاني الموعود به لمؤلف "الكينونة والزمان"، والذي لم يَرَى النور إلا من خلال طرح جديد لمسألة العلاقة بين الوجود والزمان في محاضرة لاحقة بعنوان "الزمان والوجود" 1962.
أمَّا في الفصل الثاني من البحث، نحاول الكشف عن معنى تجاوز الميتافيزيقا في فكر هيدغر بداء من اللحظة اليونانية التي تحدد فيها الوجود عند أفلاطون في الماهية المفارقة للموجودات بما هي التصور السابق لكل سؤال عن معنى الوجود، وعند أرسطو في وجود الموجود بما هو الإجابة عن كل سؤال حول معنى الوجود، وهو ما اضطرنا إلى السؤال عن سر نسيان مسألة الوجود في تاريخ الميتافيزيقا؟ بداء من فهم قصد هيدغر من تجاوز ما أسست له الميتافيزيقا في محاولة البحث عن مسألة الوجود ضمن وجود الموجود الذي تحدد كـــ(ماهية، جوهر، مثال، صورة، وعي، ذات مفكرة إرادة...). نحاول هنا كذلك تتبع حيثيات تفكيك نسق الذاتية المتعالية كما تحدد في فكر هيدغر بداء من اللحظة الديكارتية رونيه ديكارت René Descartes (1596- 1650م) مرورا بكانطEmmanuel Kant (1724-1804م) وهيجل Georg Wilhelm Friedrich Hegel (1770-1831) إلى هوسرل Edmund Husserl (1859-1938) ثم إلى الانحلال الظافر له في نهاية الميتافيزيقا مع فريديريش نيتشه Friedrich Nietzsch (1844-1900).
أمَّا في الفصل الثالث نسعى إلى محاولة تفكير ما يعنيه "المنعرج" في فكر هيدغر؟ والذي تم فيه الانتقال بمسألة الوجود من "الأنطولوجيا الأساسية" إلى "تاريخ الوجود" وهذا من خلال مساءلة ما يعنيه التفكير في الوجود بوصفه "عهد" و"حدث"Ereignis بين "الوجود" و"الزمان"؟ أي العهد والحدث الذي يُؤسسُ الصلة بين الدزاين والوجود، بما يتيح ويمنح تأسيس كل منهما في الأخر.
ومن هنا كذلك أمكننا أن نتساءل مع هيدغر حول ماهية التقنية باعتبارها لحظة اكتمال تاريخ الميتافيزيقا الغربية في نسيان حقيقة الوجود؟ وهو ما يمهد لإعادة استذكار الوجود المنسي ضمن التقنية في أفق الفن والشعر، حيث تم التفكير مع هيدغر في أفق الفن والشعر بما هو الأفق الذي يؤسس ماهية الإنسان الحميمية ضمن علاقته بالوجود.
أمَّا في الفصل الرابع فقد حاولنا بدءا أن نكشف عن حضور فكر هيدغر في أفق التفكير البنيوي المعاصر، حيث ساهمت الأسئلة التي أثارها نص "الكينونة والزمان" بشكل أو بأخر في انفتاح الفكر الفلسفي المعاصر على مسألة النهايات التي يمكن أن تطال كل سؤال ممكن عن أساس وأصل الوجود الإنساني، وهنا تم افتراض وجود تقارب ضمني بين فكر هيدغر والتوجه الذي ظهر مع النزعة البنيوية في المجال اللغوي والأنثروبولوجي والأركيولوجي، من منطلق استشعار أهمية النص الهيدغري كمرجع أساسي في رسم مسار التوجه البنيوي المعاصر. ومن هذا المنطلق نسعى كذلك إلى التفكير في إمكانات وحدود أنطولوجيا هيدغر، خاصة ما تعلق بمسألة إمكانية تأسيس وجود الدزاين خارج حدود "الأنطولوجيا الأساسية"، أي محاولة تفكير المشروع الهيرمينوطيقي عند كل من هانز جورج غاداميـر Hans-Georg Gadamer (1900-2002م)، وبول ريكورPaul Ricœur (1913-2005م) في أفق المنظور الفينومينولوجي والأنطولوجي للفهم Verstehen الذي أسس له هيدغر، بداء من هيرمينوطيقا الدزاين، وهو ما يعنيه العودة إلى البحث عن أصول هيرمينوطيقا غادامير في أفق الحلقة الهيرمينوطيقية التي أشارت إليها تحليلات الفقرة (32) في "الكينونة والزمان"، والتي قادت غاداميـر إلى البحث عن أفاق التأويل في مجال اللغة والفن والتاريخ. وهو كذلك ما تعنيه إعادة التفكير في تأويلية بول ريكور بداء مما أشار إليه هيدغر في سياق تأويل تجربة الفهم ضمن أفق زمانية وتاريخية الوجود المشترك للدزاين مع الأخرين في العالم.
كما نسعى في نهاية هذا الفصل إلى محاولة تفكير ما تعنيه دلالات تفكيك الميتافيزيقا التي أشار إليها هيدغر في "الكينونة والزمان"، ضمن أفق استراتيجية التفكيك عند جاك ديريدا من منطلق البحث عن الأصول والأسس الفينومينولوجية والأنطولوجية للتفكيك، وبيان كيفَ أنَّ العودة إلى تاريخ الميتافيزيقا سواء عند هيدغر أو ديريدا يعني تفكيك ميتافيزيقا الحضور، وبشهادة ديريدا نفسه أن قراءته لتاريخ الميتافيزيقا الغربية لم تكن إلاَّ في ضوء إعلان هيدغر عن نهاية الميتافيزيقا، ومن هنا تم مساءلة موقف ديريدا من فكر هيدغر نفسه؟ من خلال اختبار مدى صحى الافتراض القائل أن تفكير الدزاين في أفق الحضور الممكن للكينونة هو ترسيخ جديد لتقاليد ميتافيزيقا الحضور.
أمَّا في خاتمة البحث، فقد خلصنا إلى تأكيد مدى أهمية التفكير مع هيدغر في الكثير من المسائل التي لا زالت تطرح اليوم في أفق علاقة الوجود الإنساني بـالعالم والتقنية والمجتمع والعلم والفن.
- يُعبرُ فكر مارتن هيدغرMartin Heidegger (1889-1976)، ومنذُ عهد "الكينونة والزمان" 1927 عن رغبته في استئناف مسألة الكينونة بطريقة مغايرة لما ترسخ في تاريخ الميتافيزيقا الغربـية منذ أفلاطون Plato (427ق.م- 347ق. م) إلى غاية نيتشه Friedrich Nietzsche (1844-1900). إنَّ الكينونة ليست من الكائن في شيء، لأن الكينونة تند عن كل تحديد أو تعيين، أما الكائن فهو ما يقبل التحديد والتعيين، غير أن الكينونة هي الأقرب إلى الكائن الإنساني عن غيره من الكائنات. لكن معنى الكينونة المقصود هنا هو الأكثر بعدا عن مفهوم الإنسان المُفكرُ فيه في ظل غياب ونسيان الكينونة عبر تاريخ الميتافيزيقا الغربية، أي الإنسان المُؤسَس ضمن الكائن الحاضر في أفق الوعي، المثال، الفكرة، التصور، التمثل، الإرادة. وهو ما يعنيه هيدغر بضرورة تجاوز المفهوم الميتافيزيقي عن الإنسان والاستعاضة عنه بمصطلح "الدزاين Dasein" ، بما هو الكائن الذي يُعنَى بمسألة الكينونة. إن تجاوز هيدغر مفهوم الإنسان بمصطلح الدزاين دلالة على أن تاريخ الميتافيزيقا لم يُفكر بالشكل المناسب ما يعنيه وجود الإنسان، بل أنَّ هذا التاريخ ترسيخٌ وتعضيدٌ لتصور ثابت وراسخ عن الإنسان منذ أفلاطون بما هو ماهية، جوهر، مثال، ذات مفكرة، تمثل مطلق، وإرادة قوة.