تحميل رواية أطفال لا ترى الملائكة pdf كانت تُطلقُ شعرها حراً، وترتدي تي شيرت أزرق ضيقاً وبنطلوناً أبيض، نظرتُ في عينيها وأطلتُ النظر، لم تُخجلها نظرتي الوقحةُ الجريئة، كأنها رفضتْ الاستسلام وخفض بصرها، لم أنتبه لنفسي وأنا أعضُّ على شفتي السفلى، وعندما عضتْ على شفتها هي الأخرى بشراسةٍ، شعرتُ بألمٍ في صدري، وضعتُ يدي وتحسستُ عضةً عمرُها عشرون عاماً، أخرجتُ رُزمة نقودٍ كبيرةً من جيبي، تعمدتُ أنْ أظُهرها أمامها ببطء، ناديتُ النادل، أعطيتهُ حسابه وبقشيش أفرحه شكرني عليه، طلبتُ فنجان بن مضبوط، تحججتُ أنني من الممكن أن أغادر المكان في أي لحظة، قال بلطفٍ: المكان مكانك يا باشا.
رفعت عينيَّ تجاهها وأنا أعيدُ النقود إلى جيبي، لاحظتُ وقوف رجلٍ عجوزٍ وراءها في الظل عند حافة الرصيف، تأملتهُ باستغراب، سرت قشعريرةٌ في بدني، كان يتكئُ على عصا تبدو مصنوعةً من ناب فيل، مُزينةً بحلقاتٍ ذهبية، عيناه ماكرتان كثعلب، كأنَّ فمه لا يحتوي إلا على أربعة أسنان، في إصبعه خاتمٌ بفصٍّ أحمر، ابتسمَ لي فزاد خوفي أكثر، همستُ لنفسي هذا الرجل موجودٌ في كل زمان ومكان!، لاحظتْ الفتاةُ أنَّ عينيّ تجمدتا على شيءٍ ما خلفها، استدارت بنصفها العلوي، نظرتْ حيثُ أنظرُ، بدا كأنها لم تر شيئاً، جفَّ حلقي، أدرتُ وجهي لمنضدتي ومددتُ يدي لأتناول زجاجة الماء، سبقتني يدُ رجلٍ قصير، بشرتهُ كالفحم، البياضُ في عينيه بدا لي كحلقتين للفناء، كأنه قام من الرمال، أفزعني مظهرهُ المرعب، شربَ زجاجة الماء المعدنية، وأشار لي بيده شاكراً ومضى، أزعجني أنه لم يستأذن، عدتُ بذاكرتي إلى كوخ تيسير وثقوب الباب وهروبي، نظرتُ تجاه العجوز مرةً أخرى فلم أره، كان الرجلُ الأسودُ قد سار ناحيته ببطء وعزم، نظرتُ يميناً وشمالاً، لا أثر للرجلين، أمسكتُ علبة سجائري، لاحظتُ أنَ زجاجة الماء كما هي مملوءةٌ ومغلقةٌ، أشعلتُ السيجارة، رفعتُ رأسي للسماء، بدتْ سحابةٌ بيضاءُ تتفرَّقُ وتتشكلُ، لويتُ عُنقي ونظرتُ، بدت لي كأنها سترسم وجه الله، نظرتُ في وجه الفتاة، أصبح وجهُها شديدَ الاصفرار، أنفُها كأنفِ خنزير، عيناها كعيني ذكر ماعز أسترالي، وبدا فمها كفم سمكة قرش، تبدَّلَ حالي وتعكرتُ، شعرتُ أنني أختنقُ لوجودي في هذا المكان، وقفتُ وأنا أنظرُ إليها نظرة زاهد، وقفتُ لأغادر، نَمَتْ بداخلي رغبةٌ غريبةٌ للصلاة والبكاء، تجمهرَ الدمعُ في عينيَّ، نظرتُ لابتسامة الفتاة التي بدت بشعة وقبيحة، انصرفتُ وأنا أحدِّثُ نفسي، يا لها من أسنانٍ تبدو كأسنانِ آكلي لُحومِ البشر.