تحميل كتاب مختصر مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات pdf 2013م - 1443هـ اهتم شيخ الإسلام ابن تيمية ببيان الحق في هذه المسألة (مسألة التفويض)، وذكر فيما ذكر – في مناسبات مختلفة – مجمل حجج الذين زعموا أن مذهبهم هو التفويض، وأهمها: 1- ما أثر عن كثير من السلف أنهم قالوا في الصفات: "أمروها كما جاءت"، قالوا: وهذا يدل على أن مذهبهم فيها الإيمان والتسليم, وإمرارها كما جاءت وعدم الخوض في تأويلها، والوقوف عن تفسيرها. 2- قول الإمام مالك – وغيره: "الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة" (11) قالوا: ومعنى قوله إنه معلوم أي إنه وارد في القرآن، ونفيه للكيف, وإيجاب الإيمان به دليل على أنهم يسلمون ورود نصوص الصفات, ويفوضون معانيها إلى الله تعالى. 3- أن السلف لم يكونوا يفهمون من النصوص ما يستلزم التجسيم وأن ذاته تعالى فوق العرش، قالوا فلما جاء المتأخرون, وصاروا يفهمون منها مثل هذا وجب التأويل. 4- ثم إنهم احتجوا بالوقف على قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ [آل عمران: 7]. قالوا وهذا دليل على التفويض. وقد ردَّ شيخ الإسلام على ذلك كما يلي: 1- أما قول السلف في الصفات "أمروها كما جاءت" فمعناه عندهم الإيمان بها وإثباتها، والرد على المعطلة الذين أنكروها, أو خاضوا في تأويلها، فقول السلف هذا "يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معان، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها، مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت، ولا يقال حينئذ: بلا كيف، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول". والسلف من الصحابة والتابعين كان اهتمامهم الأول والأخير منصباً على القرآن والحديث، فهل كانوا عندما يتلون القرآن ويعلمونه، ويروون السنة, ويتناقلونها ويحدثون بها، يفرقون بين آية وآية، وحديث وحديث؟ ويقولون للناس: هذه آمنوا بألفاظها مجردة، وهذه لا مانع من فهم معانيها؟ ومعلوم أنه كان يتلقى ذلك عنهم أصناف الناس وطبقاتها وغيرها، بل كانوا يردون على المعطلة وأهل الكلام ما كانوا يخوضون فيه من ذلك، ولذلك قالوا: أمروها كما جاءت، وواضح أن قصدهم الرد على هؤلاء النفاة، ولو كان قصدهم التفويض الذي أراده المتأخرون النفاة لقالوا – موضحين أمروا ألفاظها، مع اعتقاد أنَّ المفهوم منها غير مراد، ولو كان الأمر كذلك كان نفي الكيف عنها مع مثل هذا القول لغو. على أنَّ شيخ الإسلام يشير في سياق مناقشته لهذه الدعوى إلى ناحية مهمة في منهج السلف, وتعاملهم مع النصوص ربما غفل عنها من يتصدى لمثل هذا الموضوع – وهي تدل على ما حبا الله هذا الإمام من فهم قويٍّ, وبصر نافذ, واطلاع واسع – وذلك أنه ذكر أن عبارة: تمر كما جاءت، أو نحوها، قد قالها الإمام أحمد في غير أحاديث الصفات، وإذا ثبت هذا بطل احتجاج هؤلاء الذين يدعون أن قصد السلف من مثل هذه العبارة: تفويض نصوص الصفات. يقول شيخ الإسلام عن الإمام أحمد وغيره – بعد بيانه أنهم لم يقولوا بأن القرآن لا يفهم معناه، وإنما قالوا كلمات صحيحة، مثل: أمروها كما جاءت، ونهوا عن تأويلات الجهمية-: "ونصوص أحمد والأئمة قبله بينة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية, ويقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها، ويفهمون منها بعض ما دلت عليه، كما يفهمون ذلك في سائر نصوص الوعد, والوعيد, والفضائلو وغير ذلك. وأحمد قد قال في غير أحاديث الصفات: تمر كما جاءت (13) ، وفي أحاديث الوعيد مثل قوله: ((من غشنا فليس منا)) (14) وأحاديث الفضائل (15) ، ومقصوده بذلك أن الحديث لا يحرف كلمه عن مواضعه كما يفعله من يحرفه، ويسمى تحريفه تأويلاً بالعرف المتأخر" (16) . وهذا يدل على أن السلف كانوا يتعاملون مع النصوص على حد سواء, لا يفرقون بين نصوص الصفات وغيرها، وحينما يأتي أحد من أهل الأهواء من المعطلة، أو الرافضة، أو المرجئة أو غيرهم ليتأول بعض النصوص التي تخالف مذهبه، يكون جواب السلف أن هذه النصوص تروى كما جاءت، ولا يدخلون في تأويلات وانحرافات هؤلاء. 2- أما قول الإمام مالك في الاستواء فهو موافق لمذهب السلف – رحمهم الله تعالى، وهو حجَّة على أهل التفويض، يقول شيخ الإسلام: "فقول ربيعة ومالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، موافق لقول الباقين: أمروها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه – على ما يليق بالله – لما قالوا: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ولما قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف؛ فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً، بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم. وأيضاً: فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات. وأيضاً: فإن من ينفي الصفات الخبرية – أو الصفات مطلقاً – لا يحتاج إلى أن يقول: "بلا كيف"، فمن قال: أنَّ الله ليس على العرش, لا يحتاج أن يقول بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: "بلا كيف" (17) . فالإمام مالك وشيخه ربيعة بيَّنا أمرين: أنَّ الاستواء معلوم, وأنَّ الكيف مجهول، وهذا حقيقة مذهب السلف، يؤمنون بالصفات الواردة، ويفهمون ما دلَّت عليه من المعاني اللائقة بالله تعالى، أما الكيفية فيفوضونها لعالمها. ولهذا لما ذكر شيخ الإسلام تلقي النَّاس قول الإمام مالك بالقبول، ذكر اعتراضاً وأجاب عنه. قال: "فإن قيل: معنى قوله "الاستواء معلوم، أنَّ ورود هذا اللفظ في القرآن معلوم، كما قاله بعض أصحابنا الذين يجعلون معرفة معانيها من التأويل الذي استأثر الله بعلمه. قيل: هذا ضعيف، فإن هذا من باب تحصيل الحاصل، فإن السائل قد علم أن هذا موجود في القرآن، وقد تلا الآية. وأيضاً فلم يقل: ذكر الاستواء في القرآن، ولا أخبار الله بالاستواء، وإنما قال: الاستواء معلوم، فأخبر عن الاسم المفرد أنه معلوم، لم يخبر عن الجملة. وأصل هذا الكتاب رسالة ماجستير بينت حقيقة التفويض، وأمثلة من مقالات التفويض، وشبهات أهل التفويض ومناقشتها، ولوازم مذهب التفويض وأدلة بطلانه. التفويض في أسماء الله تعالى وصفاته له معنيان : الأول : معنى صحيح ، وهو إثبات اللفظ ومعناه الذي يدل عليه ، ثم تفويض علم كيفيته إلى الله ، فنثبت لله تعالى أسماءه الحسنى ، وصفاته العلى ، ونعرف معانيها ونؤمن بها ، غير أننا لا نعلم كيفيتها . فنؤمن بأن الله تعالى قد استوى على العرش ، استواء حقيقيا يليق بجلاله سبحانه ، ليس كاستواء البشر ، ولكن كيفية الاستواء مجهولة بالنسبة لنا ؛ ولذا ، فإننا نفوض كيفيته إلى الله ، كما قال الإمام مالك وغيره لما سئل عن الاستواء : "الاستواء معلوم ، والكيف مجهول" . انظر : "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام (3/25) . وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة : إثبات صفات الله تعالى ، إثباتاً بلا تمثيل ولا تكييف ، قال الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) . قال ابن عبد البر رحمه الله : " أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لم يكيفوا شيئا من ذلك " . "العلو للعلي الغفار" (ص 250) والمعنى الثاني للتفويض - وهو معنى باطل - : إثبات اللفظ من غير معرفة معناه . فيثبتون الألفاظ فقط ، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ثم يقولون : لا ندري معناه ، ولا ماذا أراد الله به ! .
عرض المزيد