تحميل كتاب التفويض في القانون الاداري pdf من البديهي بمكان أن الاختصاص في الدولة القانونية ظاهرة غير شخصية ومفهوماً ليس مركزاً يُعتلى بفعل المقدرة الذاتية الخاصة والمواهب الفردية، وإنما هو وصف قانوني حدده القانون ورسم شروطه ومعالمه وجدواه لصالح المجتمع، والمشرع إذ يبني هيكل المنظمة العامة ويجدد خلاياها ويرتب مستوياتها ويصون كل خلية ويرسم مستوى الأعمال فيها ويوضح العمل فيها. وبالتالي فالقانون إذ يورد السلطة لشخص فهو يفترض ويقيم قرينه على أنه الأكفأ في ممارستها واقتراض كفاءة صاحب الاختصاص ورشد تصديه لاختصاصه قرينة يفترض قيامها دائماً في جميع الحالات مستعجلة كانت أم غير ذلك. غير أن للتفويض مبررات أخرى أكثر فعالية وقوة، كانت هي الدافع الأول لتنظيمه من الناحية التشريعية: التفويض يتيح أن تكون الوظائف مشغولة بنجاعة وحيوية بصفة دائمة، كما أن أسلوب التفويض أكثر مرونة من إعادة توزيع الاختصاصات الذي قد يقتضي تدخل جهات أخرى خارج الوحدة الإدارية، فبينما يتم التفويض بقرار من الأصيل وحده. والتفويض وسيلة مثلى لتدريب المرؤوسين أثناء العمل، فالمرؤوس الذي مارس بعضاً من اختصاصات رئيسه، لن يعجز عند الاقتضاء عن ممارستها كلها وبكفاية، ولا خطورة من ذلك لأن المرؤوس عادة هو الذي يقترح ما يتجسد بعد فترة في صورة قرار من الرئيس، كما أنه يمارس الاختصاص الذي فوض فيه تحت رقابة الأصيل. ويحقق التفويض اللا وزارية (عدم التركيز) في التنظيم الإداري مع ما تقدمه اللا وزارية من حسنات من صالح العمل وصالح الرئيس أن تخفف من أعباؤه الأقل أهمية حتى يتفرغ لما هو أهم وأن يترك بعض الاختصاصات لمن هم أقدر فنياً على ممارستها، أو لمن هم أقرب منه مكانياً إلى المواطنين وأدرى منه بحقيقة المشكلة وخباياها وخلفياتها.
عرض المزيد