تحميل كتاب الغرور هو العدو pdf ربما تكون شابًّا ويملؤك الطموح، أو ربما تواجه بعض الصعوبات. أو تكون قد جنيت أول مليونين من الأموال لك، أو أبرمت أول صفقة لك، أو تم اختيارك لتنضم إلى النخبة، أو حققت الكثير من الإنجازات التي ستكفيك حتى آخر العمر. ربما تكون مذهولًا لاكتشافك مدى الفراغ الذي يعيش فيه المنتمون للطبقات العليا، أو ربما تكون مسئولًا عن قيادة الآخرين في الأزمات، أو ربما تكون قد فصلت من عملك مؤخرًا، أو تكون قد وصلت إلى الحضيض.
أيًّا كانت الظروف التي تعيشها وأيًّا كان ما تفعله، فإن ألد عدو لك يعيش بداخلك بالفعل: غرورك.
قد تفكر في قرارة نفسك قائلًا: “ليس أنا، لم يصفني أحد من قبل بأنني نرجسي”. ربما كنت تعتبر نفسك دائمًا شخصًا متزنًا جدًًّا. لكن بالنسبة للأفراد الذين لديهم طموحات، ومواهب، ودوافع، وقدرات كامنة يريدون استغلالها، يكون الغرور متوقعًا. على وجه الدقة، إن ما يجعلنا واعدين جدًّا كمفكرين، ومنجزين، ومبدعين ورواد أعمال، وما يدفعنا للوصول لأعلى المستويات في تلك المجالات، يجعلنا فريسة سهلة لهذا الجانب الأكثر ظلمة من النفس البشرية.
وبالتالي هذا ليس كتابًًا عن الغرور بالمعنى الفرويدي؛ فلقد كان “فرويد” يميل إلى تفسير الغرور عن طريق التشبيه – الخيال الذي يمتطي الحصان، دوافعنا غير الواعية هي الحصان بينما الغرور هو الخيال الذي يحاول أن يوجه الحصان. ويستخدم علماء النفس المعاصرون، على الجانب الآخر، كلمة “الأناني” للإشارة إلى أشخاص يركزون على أنفسهم على نحو خطير ويتجاهلون الآخرين. كل هذه التوصيفات حقيقية تمامًا، لكنها ليست ذات قيمة خارج الإطار الإكلينيكي.
إن الغرور الذي نراه عادة يوصف بتعريف أبسط من ذلك: اعتقاد غير صحيح بأهميتنا، الغطرسة، الطموح الأناني. وهذا هو التعريف الذي سيستخدم في هذا الكتاب. إنه هذا الطفل المشاكس داخل كل شخص، الطفل الذي يختار الحصول على ما يريد على حساب أي شيء أو أي شخص آخر؛ فالغرور هو الحاجة إلى أن تكون أفضل من فلان، أو أن تحظى بالمزيد من كذا، أو أن تتميز بشيء ما، بصرف النظر عن أية منفعة مقبولة . إنه الإحساس بالأفضلية واليقين الذي يتجاوز حدود الثقة والموهبة.
ويظهر الغرور حين يكون الانطباع الشخصي عن أنفسنا وعن العالم مبالغًا فيه لدرجة أنه يبدأ في تشويه الحقيقة التي تحيط بنا، على حد وصف مدرب فرق كرة القدم الأمريكية “بيل والش”: “حين تتحول الثقة بالنفس إلى غطرسة، ويتحول تأكيد الذات إلى عناد، ويتحول الاعتداد بالنفس إلى شراسة جامحة”. هذا هو الغرور، كما حذر الكاتب “سيريل كونولي”، “يسحبنا إلى أسفل مثل قانون الجاذبية”.
وبهذه الطريقة، يكون الغرور هو العدو لما تريده وما تملكه: عدو إتقان المهارة، وعدو الرؤية الإبداعية الحقيقية، وعدو التناغم في العمل مع الآخرين. وكذلك عدو كسب الولاء والدعم، وعدو الاستمرارية، وعدو تكرار نجاحك والحفاظ عليه. إنه يبعد المكاسب والفرص، ويجذب الأعداء والأخطاء؛ فهو يجعلك كالمستجير من الرمضاء بالنار.
معظمنا نعتبر غير “نرجسيين”، لكن الغرور موجود في أصل كل مشكلة وعقبة يمكن تصورها، بدءًا من سبب عدم تمكننا من الفوز ووصولًا إلى سبب احتياجنا إلى الفوز طوال الوقت وعلى حساب الآخرين. وبدءًا من لماذا لا نمتلك ما نريده ووصولًا إلى لماذا بعد أن امتلكنا ما نريده يبدو أنه لا يجعلنا نشعر بأي تحسن.
لكننا لا نرى الأمر عادة بهذه الطريقة، بل نعتقد أن المسئولية فيما نعانيه من مشكلات تقع على عاتق شيء آخر (في أكثر الأحيان، تقع على عاتق أشخاص آخرين). إننا، كما قال الشاعر “لوكريتيوس” قبل بضعة آلاف من السنين، نعتبر تجسيدًا للمثل القائل: “رجل مريض لا يعلم سبب مرضه”. وخصوصًا الناجحين الذين لا يمكنهم رؤية ما يمنعهم الغرور من تحقيقه؛ لأن كل ما يستطيعون رؤيته هو ما فعلوه.
ومع كل طموح وهدف لدينا – كبيرًا كان أو صغيرًا – يحاول الغرور إحباطنا خلال رحلتنا التي بذلنا كل شيء للانطلاق فيها.
شَبَّه المدير التنفيذي الرائد “هارولد جينين” الأنانية بإدمان الكحوليات: “الأناني لا يفقد اتزانه ولا يبعثر الأشياء من فوق مكتبه. ولا يتلعثم ولا يهذي بكلام غير مفهوم. وإنما يزداد تكبره، وبعض الأشخاص، لجهلهم بالسبب وراء هذا السلوك، يخطئون في فهم تكبرهم ويظنون أنه شعور بالقوة والثقة بالنفس”. ويمكنك القول إن المغرورين يبدأون في فهم أنفسهم على نحو خطأ أيضًا، غير مدركين للعدوى التي التقطوها أو لكونهم يدمرون أنفسهم باتصافهم بهذا الغرور.