تحميل كتاب حتى يكون للأمة مكان في هذا الزمان pdf عن المواطنة المصادرة والحق المغتصب في البلدان العربية، وضرورة العمل على استرجاعهما من أنظمة حكم الفساد والاستبداد في الدول العربية ومن قبضة القوى المهيمنة في العالم والمستبيحة للأمة العربية، يكتب منصف المرزوقي بقلم أشبه بمبضع الجراح، ومن دون مخدر.
كثيرا ما اتهم "منصف" بأنه مستفز، وأتمنى عليه أن يظل كذلك. فلن تتقدم هذه الأمة من دون استفزاز العقول الراكدة والهمم الخامدة.
وليس بمستغرب أن يستفز مثقفا مثل منصف، كنموذج وكفرد، كل قوى القعود والاستكانة التي تحكم على الوطن العربي بالتخلف والهوان.
لم يكفه التميز في حقل معرفي ومهني معين- الطب في حالة منصف- عن اقتحام الأفاق الرحبة للمعرفة الإنسانية، مثقفا يميل إلى الموسوعية، وإن ظل الطب، بثراء النسق البشري المعجز، مصدر سمة معرفية مميزة. ولم يقعده وضعه الاجتماعي المتميز نسبيا كأستاذ جامعي عن ارتياد القارات الموحشة للفعل النضالي المجتمعي والسياسي تأكيدا لمبدأي الحق والمواطنة الكاملة للناس جميعا، في موطنيه تونس، والوطن العربي الكبير، وإن لم تقف طموحاته عند هذا الحد، فللمطالبة بالحق والمواطنة الكاملة بعد عالمي يطبع أفكاره وأعماله بقوة.
يحكم الكتاب، في تقديري، توصيف الكاتب للمواطن بأنه تواق للحرية، مناضل من أجل نوالها أبدا، متجشما الصعاب الحتمية. حيث يحدد للمواطنين "القيمة المركزية التي تقود أفعالهم وتتحكم في مواقفهم" ألا وهي "التوق إلى الحرية عبر مشروع متواصل لا يكتمل أبدا هو التحرّر." وأن "عليهم أن يدفعوا لتمتعهم بالكرامة والحقوق والحريات أو للمحافظة عليها، ثمنا باهظا قد يكون سلامتهم الشخصية. لكنهم يعتبرونه ثمنا زهيدا"
وهنا يتعين أن نستمع لمنصف المرزوقي، فقد قدم هو نفسه المثال على هذا المواطن دافعا ثمن مواطنيته، فمقال الرجل يصدر عن خبرة نضالية واسعة وعميقة، وليس مجرد سعة أفق معرفية.
ولكن رداءة الحال، خاصة استقالة المواطنين المطحونين من السياسة، انسداد أفق الإصلاح في ظل الاستبداد، يترك في الحلق غصة وفي الفم مرارة، "ما أمرّ أن يصبح الوطن هو الأرض التي نهرب منها وليست الأرض التي نهرب إليها."
ومع ذلك يبقى الكاتب ديمقراطيا حتى النخاع. "الديمقراطية هي الجزء السياسي من الحقوق المضمنة في الإعلان – العالمي لحقوق الإنسان- وهي البند 18 (حرية المعتقد) والبند 19(حرية الرأي ) والبند 20 (حرية المشاركة في الحياة العامة عبر انتخابات حرة ونزيهة ) والبند 21 (حرية تكوين الجمعيات السلمية)".
بهذا النفس الديمقراطي يتعين التعامل مع توق منصف للحرية والحق الذي يغمر الكتاب. الاحتفاء بالرأي، ولو مع الاختلاف، حيث الرأي الحر، وقدح الرأي بالآخر، مصدر جلاء الحقيقة.
ولا يتوقف منصف عند الساري والمألوف بل يتصدى لهما بأفكار تجديدية قد تصدم البعض، ولكنه يقدم لها تبريرات منطقية مقنعة، وقد راق لي منها اقتراح الرئاسة السباعية للدولة، مدى الحياة(!)
ولا بد من الإشارة إلى رسالة منصف هي، في العموم، إنسانية شاملة: "الحضارات لا تفعل، حتى في أوج الصراع، سوى التبادل والتلاقح. أما الرهان الحقيقي بينها فهو حول من يحمل المشعل أطول وقت من الزمن.. لفائدة الجميع".
ومع ذلك فإن الرسالة المحورية للكتاب تتقاطع مع ما انتهى إليه تقرير التنمية الإنسانية العربية الثالث من أن مشروعا للنهضة في الوطن العربي يستلزم مكافحة الاستبداد في الداخل واستباحة الأمة من الخارج. "إن كان مشروع الاستقلال الثاني هو تحقيق التحرّر للمواطن وللوطن، فإنه يمرّ إجباريا بالتحرر من هيمنة الاستبداد بما هو استعمار داخلي، ومن هيمنة الاستعمار بما هو استبداد خارجي."
والغاية هي "ضرورة تواصل البحث عن تحقيق الحد الأقصى من الحرية في ظل العدل والحد الأقصى من العدل في ظل الحرية."
والدواء الذي يصفه الدكتور منصف في النهاية هو المرور "من المعارضة إلى المقاومة".
عل الأمة العربية تشفى به من علتي الفساد والاستبداد.
د. نادر فرجاني