تحميل كتاب علم الأديان وبنية الفكر الإسلامي pdf 1977م - 1443هـ كتاب علم الأديان وبنية الفكر الإسلامي تأليف المستشرق جيب، الدكتور عالد العوا، يقدم لنا تمهيدًا هامًا حول علم الأديان وكيف تدرس الأديان، ويبدأ بعد ذلك في الحديث عن النزعة الاعتقادية، وهنا يسلط الضوء على الغزال وابن تيمية ومحمد عبده وأبي الأعلى المودودي، ثم يعرج بعد ذلك ليحدثنا عن النزعة العلمية وهنا يسلط الضوء على مذهب علم النفس، ومذهب علم الاجتماع، ومذهب تاريخ الأديان. ويحتوي هذا الكتاب أيضًا على مقدمة الترجمة العربية، وتحتوي على عدة عناصر كذلك مثل الحديث عن محمد والقرآن، والشريعة واللاهوت، والتصوف. يرى الدكتور عادل العوا في مستهل الكتاب أنه قد تطور اهتمام الناس بالدين و الدراسات الدينية من الإيمان الساذج إلى الإيمان الواعي، ثم أسفر البحث في تطور العلوم الإنسانية و تمايزها حتى ظهر في إطار هذه العلوم علم الأديان أو تاريخ الأديان المقارنة أو تاريخ الأديان(7). عرف (أ.رويستون بيك) تاريخ الأديان بقوله:”دراسة علمية و موضوعية تتناول ديانات العالم الماضية و الحاضرة، و هذه الدراسة تتوخى دراسة الديانات في ذاتها، و اكتشاف ما يقوم بينها من نقاط تشابه واختلاف، و استخلاص مفهوم لدين بوجه عام، عبر ذلك و إيضاح السمات المميزة للشعور الديني”(8). وعلى هذا يكون علم الأديان في نظر أ.بيك يقف بين التاريخ و بين علم النفس و علم الاجتماع. يرى الدكتور العوا أنه يجب التمييز بين ثلاث مراحل كبرى في الدرب الموصل إلى علم الأديان. مرحلة العصر القديم: وهي مرحلة نجد فيها أن ظهور الفكر الفلسفي يحدد شيئا فشيئا نوعا من الوعي الانتقادي بالمشكلة الدينية، و قد ازداد اهتمام الباحثين بهذه المشكلة في العصر الوسيط بوجه خاص، و ظهرت في إثر ذلك مرحلة المذهب الفعلي الحديث و مانجم عنه من ارتكاسات في موضوع الدين، ثم تلا ذلك مرحلة النظرة الحديثة إلى شؤون الإنسان، وبها شرعت العلوم الإنسانية تشق طريقها في مجال المعرفة بدءا من القرن التاسع عشر و لا تزال. وقد تميز هذا العصر بوجود باحثين يقفون في منزلة وسط بين الشك و الإيمان بالظاهرة الدينية، و أهم الأعلام الغربية التي تُمَيّزُ هذه الحقبة (هيرودوت) و (بوزانياس) اللذان اهتما بدراسة العقائد الدينية السائدة لدى الشعوب. واعتبر (افيمر) الذي عاش في صقلية في القرن الرابع قبل الميلاد أن الآلهة و الآلهات اليونانية هم الملوك و الأبطال الذين ألهم أتباعهم المعجبون بهم بعد وفاتهم. وذهب (كزنوفان) و (هرقليط) إلى أن الأسطورية تعبير رمزي شعبي عن ظواهر الطبيعة و مضى الرواقيون في منحى تأويلات شَكِّية قوية، كما استطاعت الأفلاطونية الحديثة أن تستخلص مذهبا توحيديا من الشرك القديم. وقد اتسمت هذه المرحلة بوجود أسماء لامعة في هذا الحقل مثل ماكس مولار و دوركايم الذين بحثا في ماهية الدين و أصله من وجهات علم النفس و علم الاجتماع الديني(9) . المرحلة الحديثة: وهي المرحلة التي اتسمت في رأيه برفض بعض الباحثين إفساح المجال للدين وهي مرحلة اتسمت بوجود خصام بين العلم و الدين، و كان مفكروا النزعة العلمية أهم من يمثل هذه المرحلة. وقد علق الدكتور العوا على المرحلتين مبينا أنه بوسعنا القول بأن المشكلات الدينية تلقى في العالم الحديث مواقف خصومات نظرية أو اطماع اللامبالاة و أحيانا هجوما عنيفا صريحا. لكن العاطفة الدينية مابرحت ذات قوة حقيقية يلجأ إليها السياسيون أنفسهم في أحوال الأزمات كالفتن و الحروب لاستعادة ثقة الجماهير. وهذا الواقع الراهن ييسر نمو علم الأديان بمؤازرة نمو العلوم الإنسانية عامة، أو عبرها، و أن تاريخ الأديان ليمضي شطر علم الأديان بمؤازرة نمو العلوم الإنسانية عامة أو عبرها. وقد بات من المقرر أن الدين قد لازم نشأة الحضارة و بدا على أنه خصلة من الخصال التي تميز الفكر الإنساني، حتى إن من العسير على مايبدو أن نفترض وجود مجتمع غابر خلو من التدين، إلا إذا اعتبرناه متسما بالبلاهة أو العجز(10). يرى الدكتور عادل العوا أن دراسة الدين وعلم الأديان تنطلق من وجهتين نظريتين: -وجهة النظر الاعتقادية -وجهة النظر العلمية التاريخية. وقد نقل لنا رأي فان در لوي: “إن ماهو موضوع في نظر الدين يصبح هو المحمول في دراسة علم الأديان، فالله هو الذي يعمل في نظر الدين بالنسبة إلى الإنسان، أما العلم فإنه لا يعرف إلا عمل الإنسان بالنسبة إلى الله، و إن العلم ليعجز عن الكلام على عمل الله”(11). إن وجهة النظر العلمية والتاريخية العلمية في دراسة التدين تنطلق من تفحص الشعور الديني و ظواهره بغض النظر عن الإيمان بالعقائد الدينية، و البدء بافتراض أن الباحث يقف موقف حياد حيال الديانات عند دراستها دراسة موضوعية، فينظر إليها على أنها أشكال متباينة من عاطفة التدين، و يحاول إيضاح نشأتها التاريخية، و رسم دروب تطورها، و تبيان أثر ذلك في نماء الفكر الإنساني و تطوره، فيلقي نورا ساطعا على حياة قيمه و أهدافه، و يعين على تحديد واقع الوجود الإنساني الحاضر، و يفسح المجال أمام استجلاء إمكانات الغد القريب و البعيد. يشير العوا إلى ما قرره جان باروزي في أن دراسة تاريخ الأديان دراسة علمية موضوعية تتناول أديان العالم المختلفة، الغابرة و الحاضرة، و يكمن غرضها الأساس في دراسة هذه الأديان أولا و العمل ثانيا على كشف ما بينها من تشابه و تباين، بغية الوصول إلى دراسة الدين بذاته، و ما يتعلق بذلك من مميزات العاطفة الدينية(12). و قد ألمح الدكتور العوا إلى نشأة هذا العلم الإنساني و لاسيما في أواخر القرن التاسع عشر و قد لقي مقاومة شديدة من ممثلي اللاهوت المسيحي في الغرب الذين كانوا يرفضون أن يتم طرح ما يعتبر حقيقة دينية و ماهو صادر عن ديانة زائفة، حيث الحقيقة المنزلة و الحقيقة اللامنزلة، وهذا النقاش برأي العوا يوجد حيثما توجد كليات للشريعة إلى جانب كليات الآداب و العلوم الإنسانية، و هذه الكليات الأخيرة تقدم اليوم لتاريخ الأديان إطارا سويا و مجال ازدهار و تعمق(13). غير أن الماركسية في نظرعادل العوا و هي تنفي وجود أغراض لتاريخ الأديان لا تنكر هذا التاريخ، بل تلجأ إلى دراسة الأديان دراسة علمية مقارنة لتبرهن على بطلان ما تدرسه و لتؤكد ما مقولتها المشهورة الدين أفيون الشعوب، و الماركسية ترفض أن تكون للتدين صفة نوعية مميزة مادام الحادث الديني ذاته بنية فوقية يفسر في نظرها بالعامل الاقتصادي أولا و بالعامل السياسي و الاجتماعي ثانيا. ويؤكد العوا أن مارسيل سيمون قرر في دراساته أن هذين الموقفين المتبايننين في الغرب، موقف اللاهوتيين المسيحيين و موقف الماركسيين لم يمنعا نمو علم تاريخ الأديان. قام الدكتور العوا بتحليل المقاربات الدينية في الغرب و خلص إلى أن علم الأديان يقع في ملتقى بحوث عديدة: (التاريخ- الفنومولوجيا(14) – علم النفس- علم الاجتماع) و أنه يفيد من طرائق هذه البحوث و مما وصلت إليه من معرفة، مع احتفاظه حيالها بأصالة مستقلة. فهذا العلم و إن لم يكن من غرضه الحكم على ضروب الفكر البشري في ميادين الحقيقة الميتافيزيائية أو اللاهوتية فإنه يرمي برغم ذلك إلى تجاوز المعطى الاختباري للحوادث الدينية حتى يبلغ فهم المقدس المعاش فهما داخليا. ولابد لعلم الأديان أن يمضي من دراسة مختلف المذاهب الدينية المعروفة إلى دراسة بنياتها الأساسية (الشعائر و الأساطير و الرموز و العقائد) من أجل أن يتمكن في نهاية الأمر من تحليل مضامينها التي يحياها الإنسان الديني حياة ذاتية. ومن الواضح أن مشروع علم الأديان مشروع واسع لأن سعة موضوعه تتجلى في سعة عالم المقدس و الكون الديني للإنسان و هو يتعدد بتعدد آفاق الثقافات الإنسانية. لقد حاول الكثيرون في نظر الدكتور العوا سَلْخَ القداسة عن الوجود الإنساني خصوصا الثلاثي المتنافر، (ماركس) و (نيتشه) و (فرويد) و ذلك بإظهار رأيهم في نشأة الظاهرة الدينية و غماطة اللثام عن مسيرتها و تطورها و وظيفتها. فقد رأى ماركس أن الدين بنية فوقية دونها العامل الاقتصادي الفعال في تاريخ البشرية بحسب قوانين المادية الجدلية و أن الدين هو أفيون الشعوب، و هو يُخْفي وراءه قِشْرَةَ أيديلوجية الاستغلال الطبقي لصالح الفئة الحاكمة. ويرى نيتشه أن المسيحية في عصورها الأخيرة التي اتسمت بالتحريف هي ديانة العبيد و أنها قد ماتت بموت الإله. وذهب فرويد إلى أن الدين عُصَاب وسواسي يصيب البشرية كافة و كأنهم وَهْمٌ مشؤوم يترتب على البشرية التخلص منه عندما تبلغ سن الرشد. ثم انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن كتابات المسلمين العرب و بدأ حديثه عن الكتاب المرجعي المشهور في مصنفات علم الأديان وتاريخه الذي صنفه العلامة الدكتور عبد الله دراز (الدين) بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان الذي نشره سنة 1952م حيث بين فيه الأصول الكلية التي يحتاجها الطالب الجامعي في هذا الحقل المعرفي المعروف ب علم الأديان أو تاريخ الأديان. وقد قدم الشيخ عبد الله دراز في كتابه دراسة موجزة عن الحوادث الدينية التاريخية و انبرى لتحديد معنى الدين لغويا و عرفيا و حلل الفكرة الدينية في نظر المتدين ثم بحث في علاقة الدين بالأخلاق و بالفلسفة و بسائر العلوم و شرح وظيفة الأديان في المجتمع، ثم استعرض تاريخ العقيدة الإلهية و ألمع إلى المذاهب المختلفة التي تفسرها، و ختم كتابه بنظرة جامعة تضم أطراف البحث تحاول التوفيق بين مختلف مذاهب الناس في مفهوم الدين و تاريخ نشأته. وقد انتهى عبد الله دراز إلى القول بأن آيات الألوهية مبثوثة في كل شيء و أن كل فئة من الناس لها طريق مسلوك في الاسترشاد ببعض تلك الآيات قبل بعض و هذه الحقيقة المزدوجة هي التي يقررها القرءان الكريم بأوضح بيان(15). إن معرفة الدين و دراسته تتيحان للإنسان أن يفهم العالم و الكون، أما دراسة الأديان و تاريخها فتتيحان للفكر البشري أن يفهم حقيقة تطور الإنسان الديني، و قد أوضح الأستاذ مالك بن نبي في كتابه الفذ الظاهرة القرءانية إلى أن الدين في ضوء القرءان الكريم يبدو ظاهرة كونية تحكم فكر الإنسان و حضارته كما تحكم الجاذبية المادة و تتحكم في تطورها(16) ، و لذا فإن الدين يبدو و كأنه مطبوع في النظام الكوني قانونا خاصا بالفكر الذي يطوف في مدارات مختلفة من الإسلام الموحد إلى أحط الوثنيات البدائية، حول مركز واحد يخطف سناه الأبصار و هو حافل بالأسرار إلى الأبد. .
عرض المزيد