تحميل كتاب الدراسة الطب للمعتقدات الشعبية pdf الدراسة الطب للمعتقدات الشعبية من علم نفس واجتماع تأليف : د. محمد الجوهرى الطب التقليدى ، أو العلاج بالأعشاب ، والحجامة ، والكي.. كلها تعنى بشكل ما الطب الشعبي؛ وهو المعارف والمهارات والممارسات الناتجة عن معتقدات وخبرات الجماعات الشعبية المختلفة، التى يستخدمونها لعلاج الامراض الجسدية والنفسية. والطب الشعبى توارثته الأجيال منذ بداية == الإنسانية. حيث لازمت الأمراض الإنسان منذ بداياته، وسعى إلى التغلب عليها بتجارب عديدة حتى توصل إلى أساليب لمعالجة أوجاعه، واستقرت جماعة على علاجات معينة من الطبيعة المحيطة بها، وتختلف باختلاف الأمراض، وكل مجتمع يختص بأمراض معينة ترتبط بالبيئة أو النشاط الغالب الذى يقوم به أفراده، ويمارس الطب الشعبى عادة فى المنازل، أو بشكل احترافى عن طريق المعالج الشعبي، ودائما تتوارث الأجيال هذه المهنة داخل العائلات. وتلجأ فئات المجتمع للعلاجات الشعبية وفق ثقافتها، وهي:«كل معرفة وخبرة يمارسها الإنسان فى صنع الحياة على أرضه، سواء كانت هذه الثقافه أو الخبرة الإدراكية التى يعايشها الإنسان نتاج تجاربه، أم نتاج تجارب غيره، وانتقلت إليه وعايشها وامتزجت بممارسات حياته اليومية». وانتشار التعليم له تأثير كبير على المجتمع وعلى ثقافت، فهو يؤدى لتخلى بعض الفئات عن المعتقدات القديمة، ولكنها تتمسك ببعض المعتقدات الأخرى التى توائم ظروفه الجديدة بعد انتشار التعليم بين أفرادها، فللعلم آثار متعددة ومختلفة جدا، فثمّة آثار عقلية مباشرة، كإبطال كثير من المعتقدات التقليدية ، واعتناق معتقدات أخرى نتيجة لنجاح الطريقة العلمية. وتعتبر الخلفية الدينية من الأسباب الرئيسية لاتجاه أفراد المجتمع للعلاجات الشعبية، لأن الدين له تأثير كبير على أفراد المجتمع، خاصة المجتمع المصري، الذى تأصل فيه الدين على مر العصور، من مصر القديمة وإلى عصرنا هذا. وكذلك للبعد الاقتصادى دور فعال فى الاتجاه للعلاجات الشعبية إذ يعتبر الفقراء هم الأكثر إتجاها للعلاجات الشعبية ، وذلك من منطلق ثقافتهم الخاصة بهم فلا نستطيع أن نحكم حكما شاملا يمثل حياة هؤلاء وثقافتهم الشاملة وإنما نستطيع أن نقول إن لكل حرفة تأثيرا ، وكل وضع له تأثيره الخاص من الناحية الدينية على عقول أصحابها. و«أوسكار لويس» هو الذى أطلق مصطلح «ثقافة الفقراء»، حيث قام بعمل دراسة على أسر فى المكسيك، وأسس نظرية اسمها «ثقافة الفقراء»، يقول فيها «إن الفقراء لهم صفات، وهى صفات دامغة ملتصقة برأسهم، ويظل القاسم المشترك بين معظم تصورات الفقراء هو فكرة العوز والنقص»، وقد قسم الفقر إلى أربعة أبعاد هي: «الحقائق أو الماديات التى تقوم عليها أفكار الفقر المختلفة، وفهم الشخص نفسه لحالته، وكيف يرى الآخرون الفقراء، والمكانات الاجتماعية الثقافية المؤثرة على تصورات الفقر المختلفة». وليس المقصود هنا «الفقراء المهمشون» فقط، بل «الطبقة البسيطة التى تمتلك قوت يومها، أو بالكاد تغطى نفقاتها»، كما ليس شرطا أن يكونوا أمييون، بل منهم المثقفون الحاصلون على شهادات تعليمية مختلفة، متوسطة وفوق متوسطة وجامعية، لكن ظروف الحياة الاجتماعية طغت عليهم، فلا يجدون فرصة عمل، لذلك لا يملكون نفقات يومهم. والطب الشعبى من العادات والمعارف المتأصلة فى أى مجتمع، ويتشكل من العديد من المعتقدات والوسائل الطبية التقليدية التى استخدمت منذ عهود قديمة لمعالجة الأمراض فى كل الثقافات المتباينة، كذلك الوسائل التى تم استخدامها بواسطة أشخاص ممن يعتقد أنهم يملكون القدرة على معالجة الناس، وتمتد «جذور الطب الشعبيFolk medicine» فى النظم العلاجية المتواصلة داخل «الثقافة البدائية Primitive cultures» قبل عملية ظهور وتطور الطب العلمي، واستمر وجوده بجانب الطب الحديث مع تقلص دوره فى مواضع كثيرة نظرا لتطور العلم والثقافة ودخول الطرق العلاجية المتطورة، وكثرة المراكز والمنشآت الطبية، ويؤكد حقيقة وهى وجود الطب الشعبى وممارسة طرقه ووسائله داخل جميع الثقافات سواء التقليدية أم الحديثة، ويعد الطب الشعبى جزءا من القيم والمعرفة الثقافية التى تشكلت منذ أحقاب بعيدة، ويعد نظاما طبيا علاجيا يبنى على أشكال تقليدية من المعتقدات والسلوك والممارسات التى هدفها مقاومة المرض طلبا للشفاء. ويختلف نمط تفكير أهل المدينة عن أهل القرية، فأهل المدينة خاصة من الطبقة العليا والمتوسطة والمتعلمين لا يلجأون لأية طريقة من طرق العلاج الشعبى إلا إذا فشلوا فى العلاجات الرسمية وأضناهم البحث، ويضعون نصب أعينهم الطرق المجربة التى نجح العلاج فيها ويستشيرون الطبيب، وفى حالة موافقة الطبيب يقدمون على العلاج بها، أما البسطاء خاصة من كبار السن من أهل المدينة وأهل الريف فيقدمون على العلاجات الشعبية دون تردد، ويعزون ذلك بأنها طرق مُجرّبة وناجحة، تسود لدى الأفراد عندما يعالجون بها، أو يسمعون بالعلاج الشعبي، ويوجد نمطان من التفكير لدى أغلب فئات المجتمع فإما أن يكون تجريبيا تبين نجاحه، أو هو نمط غيبي، ودائما ما يقبل أفراد الطبقتين الوسطى أحيانا والشرائح العليا من الطبقة الدنيا غالبا على العيادات الشاملة الملحقة بدور العبادة التى يقدم بعضها تيسيرات خاصة للفقراء، فقد تخص بعض هذه العيادات يوما للكشف عليهم مجانا وبصفة خاصة خلال شهر رمضان، وتحتفظ بعضها بسجلات لحالات فقيرة من سكان المنطقة لتقدم لهم الخدمات الطبية من صندوق الزكاة الملحق بالمسجد، أو تقدم لهم خصما يصل إلى نصف أجر الزيارة، ولا ينكر أحد الدور الفعّال للصيدليات كمؤسسة طبية رسمية وشعبية يلجأ إليها المرضى من مستويات متباينة من كل أنماط المجتمع المصرى طلبا للعلاج من الأعراض المرضية الشائعة كالمغص، والصداع، والسعال، والإسهال، والإمساك، و نزلات البرد، وغيرها حتى أصبح الكثيرون من أفراد المجتمع المصرى على دراية بأسماء بعض العقاقير الطبية، هذا بجانب خدمات أخرى يقدمها الصيدلى كإعطاء الحقن وقياس ضغط الدم، وقياس معدلات السكر ، والحرارة والوزن وتقديم الإسعافات الأولية. كما أن هناك علاقة تبادلية بين الطب الرسمى والطب الشعبى إذ يعتبر الطب من أقدم العلوم التى عرفها الإنسان، فمنذ آلاف السنين ابتدأ الإنسان الأول الذى كان قريبا من الطبيعة أن يصل بطريقة عملية إلى استعمال القوى المختلفة والمنح العديدة التى وهبتها الطبيعة لعلاج الأمراض، وعملت الملاحظة والحكمة المتوارثة الكثير لتقدم الطب، فهناك العديد من العقاقير مثل «الديجبيتاليس والكينا والأفيون والأتروبين والكوكايين» استعيرت من الطب الشعبي، وحتى هذا العقار العجيب المسمى بالبنسلين كان يستعمل بنجاح منذ عشرات السنين الماضية فى الطب الشعبى فى صورة الفطر الأخضر ، وكتب «أبقراط»: «يجب ألا تخجل من سؤال العامة إذا كان هناك ما يفيدك كدواء لأنى أعتقد أن مهنة الطب بأكملها قد اكتشفت عن هذا الطريق»، وكان العالم الروسى الكبير «ف . ماناسيين» يقول دائما إنه برغم اكتشاف كثير من العقاقير عن طريق العلماء إلا أن الطب يستقصى الكثير من معلوماته من العامة وفى روسيا ينظرون بإكبار إلى الطب الشعبى سواء من ناحية العامة أو من الأطباء وقد درسه «س . بوتكين»، و«ج . زاخاريان» ، و«ا . أوسترموف» ، و«ف . ماناسيين» وغيرهم من كبار العلماء وخلال الحكم السوفيتى استخدم الكثير من العقاقير الناجحة التى أخذت من الطب الشعبى وعم استعمالها، أما عن تصورات وزارة الصحة حول إمكانية دمج العلاج الشعبى ليصبح جزءا من الخدمة الصحية، فقد انقسم المعنيون إلى قسمين: الأول يرفض العلاج الشعبى باعتباره معوقا للتقدم، والثانى يتعاطف مع فكرة استخدام العلاج الشعبى ولكن لا يملك رؤية واضحة تجاه ذلك الأمر، والطب من المجالات التى لا تنتهى الدراسات والأبحاث فيه، وتتضافر الجهود لمعالجة الإنسان من الأمراض التى تصيبه، وكل يوم يوجد ما هو أسوأ فى طرق العلاج، ولابد ألا نغفل أن الطب الشعبى هو الأساس، وهو نقطة البداية ولكن ما يحدث من تطور استحسان للطب الشعبي، فمثلا العلاج بالكى فى الطب الشعبى لا يغفل الطب الحديث منافعه، ودليل ذلك التطور الهائل الذى حدث فى أدوات وأجهزة العلاج بالكى فى الطب الرسمي، ولكن كل ينظر من منظوره الخاص، فالمعالجون الشعبيون يتفاخرون بأن هناك حالات مرضية عجز عنها الطب الحديث وتم شفاؤها على أيديهم، والأطباء الرسميون يعارضون بشدة العلاج الشعبى خاصة العلاج بالكي، ويذكرون الأخطاء والتشوهات التى تنتج عن العلاج الشعبي، ويعظمون ما لديهم من علم وأجهزة حديثة، وكذلك العلاج بالحجامة فهى نقطة لم تحسم بعد فالأطباء الرسميون منهم المؤيد ومنهم المعارض، وكل طرف له حججه فى التأييد أو الرفض، لكننا لا ننكر انتشار العلاج بالحجامة وانتشار أدواتها بشكل واسع فى الأسواق لدرجة توافرها فى المكتبات الخاصة ببيع الكتب الدينية، والترويج لها من خلال وسائل الإعلام المرئية، وتوافر كم هائل من الكتب الخاصة بالعلاج بالحجامة وكيفية استخدامها، وظهرت حديثا رسائل طبية للماجستير والدكتوراه فى العلاج بالحجامة، ولم ينل العلاج بالكى أى قسط من الانتشار الذى حازته الحجامة، لكنه نال قسطا واسعا فى الطب الرسمى وشهد أبحاثا علمية كثيرة . .
عرض المزيد