تحميل كتاب الخلفاء الراشدين ط الصحابة pdf 1992م - 1443هـ التفضيل يكون إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لا يوجد للمفضول، فإذا استويا في أسباب الفضل وانفرد أحدهما بخصائص لم يشركه فيها الآخر كان أفضل منه. وأما ما كان مشتركا بين الرجل وغيره من المحاسن، فتلك مناقب وفضائل ومآثر، لكن لا توجب تفضيله على غيره. وإذا كانت مشتركة فليست من خصائصه. وإذا كان كذلك، ففضائل الصديق رضي الله عنه التي ميز بها خصائص لم يشركه فيها أحد، وأما فضائل علي رضي الله عنه فمشتركة بينه وبين غيره. وذلك أن قوله: «لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر، إن أمنّ الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر» وهذا الحديث فيه ثلاث خصائص لم يشرك أبا بكر فيها غيره: [الأولى]: قوله ﷺ: «إن أمنّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر» بيّن فيه أنه ليس لأحد من الصحابة عليه من حق في صحبته وماله مثل ما لأبي بكر رضي الله عنه. الثانية: قوله: «لا تبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر»، وهذا تخصيص له دون سائر الصحابة. وقد أراد بعض الكذابين أن يروي لعلي رضي الله عنه مثل ذلك، لكن الصحيح والثابت لا يعارض بالضعيف الموضوع. الثالثة: قوله: «لو كنت متخذا خليلا من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلا» فإنه نص في أنه لا أحد من البشر يستحق الخلة لو كانت ممكنة إلا أبا بكر، ولو كان غيره أفضل منه لكان أحق بها لو كانت واقعة. وكذلك أمره لأبي بكر أن يصلي بالناس مدة مرضه من خصائصه التي لم يشركه فيها أحد. ولم يأمر النبي ﷺ أمته أن تصلي خلف أحد في حياته بحضرته إلا خلف أبي بكر. وكذلك تأميره له من المدينة على الحج ليقيم السنة ويمحو أثر الجاهلية، فإن هذا من خصائصه. وكذلك قوله في الحديث الصحيح: «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي» ثم قال عليه الصلاة والسلام: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» وأمثال هذه الأحاديث كثيرة تبين أنه لم يكن في الصحابة من يساويه. وأما قوله ﷺ: «أنت مني وأنا منك»، فهذه العبارة قد قالها لغيره من المؤمنين، كما قالها عليه السلام لجُلَبيب الذي قتل عدة من الكفار: «هذا مني وأنا منه». وفي الصحيحين: «إن الأشعريين إذا كانوا في السفر أو نقصت نفقة عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد ثم قسموه بينهم بالسوية، هم مني وأنا منهم». فقد جعل الأشعريين أبا موسى وأبا عامر وغيرهما منه وهو منهم، كما قال لعلي: «أنت مني وأنا منك». وقال تعالى: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم} وقال تعالى: {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم}. وقال ﷺ: «من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا» ونحو ذلك. وهذه العبارة تستعمل في النوع الواحد فيقال: "هذا من هذا" إذا كان من نوعه، فكل من كان من المؤمنين الكاملي الإيمان فهو من النبي ﷺ والنبي منه. وقوله ﷺ في قصة بنت حمزة: «أنت مني وأنا منك» وكقوله لزيد بن حارثة: «أنت أخونا ومولانا» ومعلوم أن هذا ليس مختصا بزيد، بل كل من كان من مواليه يطلق عليه هذا الكلام لقوله تعالى: {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم}. فكذلك قوله لعلي: «أنت مني وأنا منك»، وليس ذلك من خصائصه، بل من كان موافقا للنبي ﷺ في كمال الإيمان كان من النبي ﷺ والنبي منه. .
عرض المزيد